كتبت الإستشارية الأسرية نهلة الضويحي

في هذا العصر السريع، حيث تزداد التطبيقات الرقمية التي تعدنا بتنظيم الحياة، وتكثر الدورات التي تَعِدُنا بالنجاح، يبدو أن كل شيء صار قابلاً للتنزيل، للجدولة، للتعلُّم السريع…

إلا أمرًا واحدًا، لا يُباع في متجر، ولا يُوضح  في ملف PDF.

إنه الشيء الذي لا يصنعه أحد لك، ولا يراك أحد وأنت تصنعه.

إدارة الذات.

ليست خطة مكتوبة على ورق، ولا تنبيهًا من تطبيق ذكي.

هي صوت داخلي يهمس في أذنك:

“قُم الآن، ليس لأن أحدًا يراقبك، بل لأنك وعدت نفسك.”

هي وقوفك الصامت أمام نفسك في آخر اليوم، وسؤالك الصادق:

هل خنت وقتي؟ هل خذلت حلمي؟ أم كنت أهلًا للثقة التي وضعتها في نفسي؟

المعركة الحقيقية ليست مع الخارج… بل مع الداخل

من السهل أن نبدو منظمين في العلن.

لكن إدارة الذات تبدأ حين تُغلق الأبواب، وينام الجميع، ويبقى عليك أن تختار:

هل تسهر على مسلسل أم تسهر على مشروعك؟

هل ترضي ضعفك الآن… أم تُكرم حلمك غدًا؟

المعركة هنا.مع الجزء فيك الذي يطلب الراحة ويؤجل،ومع الجزء الآخر الذي يريد الحياة لكن بثمن…وإدارة الذات هي أن تميل كفتك دومًا نحو الأعمق، لا الأسهل.

لماذا تُعدّ إدارة الذات من أصعب المهارات؟

لأنها تلزمك أن تكون مديرًا على شخصٍ حساس، كسول أحيانًا، يمل بسرعة… وهذا الشخص هو: أنت.أن تقول “لا” عندما كلّ خلية فيك تصرخ “نعم“.

أن تستيقظ دون منبّه خارجي، بل بمنبّه داخلي اسمه “النية”.

أن تتابع طريقك رغم التعب، رغم الشكوك، رغم البرود الذي يصيب الحماس أحيانًا.أن تحب ذاتك، لكن لا تُدلّلها.

أن تصون وقتك كأنك تصون شرفك، لأنه بالفعل: كرامة الناجحين تبدأ من ساعات يومهم. لا تُصنع العظمة بدفعة واحدة… بل بتكرار صغير لا يراه أحد

من يدير ذاته لا يولد مختلفًا، بل يتربى في صمت.

تربّيه الأيام التي فشل فيها ثم نهض،

واللحظات التي كان يستطيع أن يتهرب لكنه واجه،

والمواقف التي قاوم فيها الإغراء… لا لأنه لا يرغب، بل لأنه “يعرف ما يريد أكثر”.

خطوات بسيطة، لكنها متراكمة.

توقظك كل صباح،تمنعك من التشتت،تجعلك تصمت أحيانًا بدل أن ترد،

وتُعطيك سلطة على نفسك لا يمنحها لك أي منصب خارجي.

أدوات كثيرة… ولكن من دونك، كل شيء عبث ،الهاتف الذي يفترض أن ينظم حياتك؟ قد يغرقك بالإشعارات بدل الإنجاز.والتقويم اليومي؟ قد يمتلئ بالحبر، ويخلو من الفعل.

فبدون إدارة الذات، تتحول الأدوات من نعمة إلى عبء.

تظل تبحث عن “أداة أفضل”، بينما المفتاح كان في يدك منذ البداية: أنت.

التأديب الذاتي… حرية مُخفية

من يظن أن إدارة الذات سجن، لم يجرّب طعم الحرية الحقيقية.

الحرية لا تعني أن تفعل ما تشاء، بل أن تكون سيد نفسك عندما تشاء.

أن تملك زمام قرارك في زمنٍ تقودنا فيه الشاشات، وتشتتنا الضوضاء.

من يدير ذاته لا يعني أنه بلا أخطاء،

بل يعني أنه يملك البوصلة، ويعرف كيف يعود إذا ضلّ.

هو لا يحتاج رقابة، لأن الوعي أصبح داخليًا.

لا يُدفع بالأوامر، بل بالمبدأ.

وهذا ما يجعل تأثيره طويل المدى، عميق الأثر.

إذا لم تُدر ذاتك، سيديرك غيرك.

إذا لم تصنع يومك، سيتحول مستقبلك إلى رد فعل لسلوك الآخرين.

ابدأ الآن، لا بخطواتٍ عملاقة، بل بخطوة واحدة:

استيقظ بنية، راقب وقتك، اغلق باب التشتت،

واسأل نفسك كل مساء: هل كنت مديرًا جيدًا لهذا اليوم؟

وتذكّر دائمًا: السلاح الأقوى في هذا الزمن، ليس ما تملكه… بل من تكون.

وأنت، حين تُدير ذاتك، تصبح أقوى من كل الأدوات من حولك.

#إنتهى #

By Sahar Hamza

أديبة وكاتبة قصص أطفال ومؤلفة كتب متنوعة بحثية ودراسية ذات موضوعات اجتماعية ومؤلفة سلسلة روايات حكايات امرأة صدر للكاتبة سحر حمزة خمسة دواوين شعر منها رسائل للقمر وصباح الخير يا وطن وقصائد للنساء فقط أوتار قلب وصباح الخير يا غزة وفازت روايتها سيدة الليلك كأفضل رواية صدرت عام 2009 حول المرأة ولديها كتب قيد الإصدار منها الرجل العجيب ودفن حيا وعلى أعتاب النهر الخالد