– الدكتور عبد العزيز المسلّم: مفردات وعناصر الحكايات الشعبية والخرافية لا تخلو من مسميات الأشجار والنباتات، لما لها من منافع وأسرار ودلالات رمزية

جلسات نقاشية تؤكد: النباتات والأشجار ألهمت وجدان وذاكرة المبدع الإماراتي والعربي منذ القدم

شهد اليوم الأول (أمس الاثنين) من ملتقى الشارقة الدولي للراوي في دورته الثالثة والعشرين مجموعة ثرية من الجلسات الثقافية التي تطوقت محاورها بحكايات النباتات والأشجار في تراثنا الشعبي المحلي والعربي، فضلًا عن الفعاليات والبرامج التي نفذتها الأجنحة المشاركة، وإطلاق عدد من الإصدارات في ركن التواقيع، والورش المخصصة للأطفال.

وتوزعت الجلسات الثقافية إلى جلسة افتتاحية وثلاث جلسات فرعية، وذلك في مقر انعقاد الملتقى بمركز اكسبو الشارقة، والذي يستمر حتى يوم 20 سبتمبر الجاري، وبمشاركة 47 دولة، و120 خبيرًا وباحثًا وحكواتيًا، وتحل فيه قطر ضيف شرف الدورة.

رسوخ وإلهام

وفي هذا الإطار، قالت عائشة الحصان الشامسي، مدير مركز التراث العربي التابع لمعهد الشارقة للتراث، المنسق العام لملتقى الشارقة الدولي للراوي إن للنبات والأشجار أهمية راسخة الجذور، تضرب في أعماق التراث من حيث الفكر والخيال والممارسة الحياة، فهي مصدر للحياة والتداوي، ومأوى للسكن والاستقرار، ورمز للاجتماع والارتباط بالأرض، وتحت أفيائها دارت الحكايات والذكريات.

وأشارت إلى أن الجلسات الثقافية النقاشية استضافت نخبة من الخبراء والمتخصصين في التراث الشعبي الذين اتفقوا على أن النباتات والأشجار تعتبر بمثابة الملهم للإبداعات الفنية فيما يتعلق بتوثيق التراث وحفظ الذاكرة ولا سيما فيما يتعلق بالقصيدة الشعبية، وباقي الفنون الإبداعية.

ورش تحيي الصناعات النباتية

ضمن الورش التي تحفل بها أجندة الملتقى هذا العام، نظمت سلسلة ورش مختلفة وسيعاد عقدها في باقي أيام الحدث، ومنها ورش: قلم مزهر، والنباتات المقنعة، ورسائل إلى الغاف، والحقيبة النباتية، وشجرة الجيران، وصناعة الأعشاش، ونخلة الأريكا في الجفير، وكرب النخل، ولوحة من أوراق الشريشة، وتزيين اللوحة بشجر السدر، وطباعة أوراق النباتات، وتلوين أوراق الزهور، وتزيين الحقيبة بالأزهار، وصناعة الحبال، والتداوي بأوراق السدر، وورش زراعية، وورشة الزراعة الزجاجية، وشجرة النخيل، وأغصان من الإمارات، ورمان من ورق، وشجرة الرمان، وغيرها من الورش.

حماية التراث الثقافي القطري.. جهود مؤسسية وفردية متكاملة

وتناولت أولى جلسات الملتقى “حماية التراث الثقافي القطري – بين الجهد الفردي والدعم المؤسسي”، وشارك فيها كل من الباحث والمؤرخ د. محمد أحمد المسلماني، والباحث علي عبدالله الفياض، ومحمد سعيد البلوشي الخبير التراثي والكاتب المتخصص، علي شبيب آل سالم المناعي الباحث والمتخصص في جمع ودراسة الأدب الشعبي. وأدارها د. خالد محمد الملا. وركز المسلماني في حديثه على جهوده الشخصية في توثيق التراث الغنائي القطري بصورة مقروءة ومرئية وكذلك توثيق تاريخ الإنسان القطري، فضلاً عن التوثيق العمل الفني والتراثي لدول خليجية أخرى، في حين أكد الفياض على أصالة التراث القطري واهتمام الأجداد بحفظه ونقله للأجيال التالية، وانبثاق مشاريع ومبادرات حكومية في هذا الاتجاه.

وأما محمد البلوشي، فتمحور حديثه على جهود جمع وتوثيق الشعر النبطي القطري وأبرز من قاد هذه الجهود ومن بينهم يوسف الخليفي ومحمد الفرحان النعيمي، مختتمًا بالإشارة إلى الدور الرسمي القطري في جمع التراث الذي بدأ بتسجيلات صوتية مع كبار السن في الإذاعة عام 1968، ما لبث أن انتقلت إلى التلفزيون، ثم تأسيس إدارة التراث ومركز التراث الشعبي لدول الخليج.

حكاياتِ النباتات في تراث الإمارات

حملت الجلسة الأولى من الملتقى عنوان “حكايات النباتات في تراث الإمارات”، حيث أدارها الناقد والفنان علي العبدان، وشارك فيها عدد من الباحثين والمختصين بالتراث، إذ استعرض سعادة الدكتور عبد العزيز المسلم رئيس معهد الشارقة للتراث رئيس اللجنة العليا المنظمة للملتقى، موضوع “النباتات في المخيال الشعبي”، موضحًا من واقع تجربته الطويلة في الجمع الميداني أن مفردات وعناصر الحكايات الشعبية والخرافية لا تخلو من مسميات الأشجار والنباتات، لما لها من منافع وأسرار وكذلك الدلالات الرمزية، ولا سيما النخلة التي تمثل الاستقرار ومصدر الحياة، والغافة التي كانت بمثابة العلامة للسائرين والرحل، والسدرة التي تعد رمزًا للحماية.

وأما الباحث في التراث الشعبي د. راشد المزروعي، فتحدث عن “غافات كنوغة” وأصل تسميتها المستمدة من قصة قديمة لعائلة كان معها طفلتان توأم، فاطمة وميرة، واللتين توفيتا بسبب المرض ودفنتا تحت غافة سميت باسم كنوغة، مستعرضًا سبب هذه التسمية.

في حين أشار أ. د. حمد بن صراي في ورقته “النباتاتُ والأشجار بين هيبة الحضور وحضور المنفعة” إلى سكان البيئات المختلفة في الإمارات قديمًا والذين أحاطت بمناطقهم الأشجار المعمرة والنباتات البرية ونشأت لديهم عنها القصص والحكايات، وقد نقلوها لبيئات أخرى بعد اختلاطهم بأصحابها في أسفارهم وزياراتهم، فتنوعت المعارف والخبرات.

من جانبها أوضحت د. نهلة إمام مستشارة الثقافة في وزارة الثقافة المصرية عن موضوع “النباتات.. طقس ودواء” وسعي الإنسان منذ القدم لدراستها وتوظيفها للعلاج والصناعة، وهو ما وثقته الكثير من الأساطير حول النبات كنوع من التراث من حيث زراعته وفوائده، لافتة إلى كتاب ابن سينا “طب الأعشاب” والرازي “التداوي بالأعشاب”.

وأما الباحثة والكاتبة د. هند السعدي، فتطرقت إلى الرمزية المكانية للشجرة وحضورها في الحكايات الشعبية كنواة تاريخية، وارتباط الإنسان بها، لذا ظهر ما يسمى “شجرة الخلود” أو “شجرة الحكمة”.

الأشجار والنباتات في الشعر الشعبي

كان للشعر الشعبي دور مؤثر في توثيق مفردات التراث المرتبط بالنبات والأشجار، وهذا ما أكدت تفاصيل الجلسة الثانية من الملتقى تحت عنوان “الأشجار والنباتات في الشعر الشعبي” والتي أدارها الدكتور خالد الهنداسي.

حيث تطرق الباحث محمد عبدالله نور الدين في ورقة حول “النباتات في الصورة الشعرية” إلى عدد من العناصر اللغوية البيانية التي وظفت العنصر النباتي في كتابة القصيدة الشعبية، وطرح أمثلة من التراث الإماراتي في هذا الجانب.

وأما الباحث والشاعر سلطان العميمي، فجاءت مشاركته في الجلسة حول أحدث إصداراته ديوان “غاف وقاف” الذي يتضمن أربعين قصيدةً نبطية في الغافة، ويعد أولَ إصدار للشعر النبطي حول شجر الغاف موثقًا مدة زمنية تتجاوز 300 سنة، بدءًا من الماجدي بن ظاهر، وتحدث العميمي عن الغاف ومفرداته في اللهجة الإماراتية التي تحمل نحو 700 اسم متوزعًا في القصائد النبطية، التي تعبر عن مدى تجذر هذه الشجرة في تفاصيل الثقافة الشعبية المحلية.

كما شاركت الأستاذة شيخة الجابري في هذه الجلسة للحدث عن “النباتات في الشعر الإماراتي”، تناولت فيها تجاربَ بعض الشعراء الذين تغنوا بالنباتات ووصفوها بدقة في القصيدة العامية، وارتباطها بموضوعات المدح والغزل، كما تطرقت إلى أبرز النباتات الواردة في القصائد المحلية، وذكرت قصائد تضمنت نباتات في الشعر الشعبي الإماراتي.

الورقة الأخيرة في هذه الجلسة، ناقشت موضوع “الطبيعة الصامتة والناطقة في الشعر النبطي الإماراتي” وتحدثت فيها الباحثة عائشة علي الزعابي، حيث أوضحت أن الشعراء منذ العصر الجاهلي اهتموا بالطبيعة بحسب البيئة التي كانوا يعيشونها، الأمر الذي استمر لدى شعراء العصور اللاحقة ومنهم شعراء الإمارات بعلاقتهم التاريخية مع مختلف أنواع الأشجار والنباتات الملائمة لطبيعة مناطق الإمارات، وهي علاقة تجاوزت البعد النفعي إلى أبعاد روحية ورمزية أعطت للأشجار قدسية خاصة.

النباتات في التراث الشعبي

في الجلسة الثالثة والأخيرة لليوم الأول من الملتقى كان الحضور مع ثلاث مداخلات حول موضوع (النباتات في التراث الشعبي)، أدارها محمد سالم بن هويدن مدير معهد الشارقة للتراث في فرع الذيد، حيث استعرض كل من الدكتور سالم الطنيجي والدكتور عادل الكسادي والباحث سلطان المزروعي، ملامح حضور النباتات في التراث الشعبي من خلال الحكاية والمثل والقول والحكم، معرجين على تجارة النباتات قديمًا ومظاهر من استخداماته ومنها الغليون الذي شكّل في الماضي جوهرة الزراعة الجبلية في الإمارات.

إصدارات جديدة تعبق بالنبات

على هامش البرنامج العلمي في اليوم الأول من الملتقى جرى توقيع عدد من الإصدارات القيّمة المرتبطة بالنبات ومعانيه وحكاياته، ومنها: (مختارات الزهيريات من قطر والخليج) للأستاذ علي شبيب المناعي، و(غافات كنوغة) للدكتور راشد المزروعي، و(مفردات النخل في اللهجة الإماراتية) للأستاذ علي العبدان، و(غاف وقاف.. أربعون قصيدة نبطية في الغافة) للباحث سلطان العميمي، و(معجم الأشجار والنباتات والحبوب في الأمثال الشعبية الإماراتية) للدكتورة عائشة علي الزعابي.