الشارقة ،15 ديسمبر 2024
تواصلت مساء يوم «السبت» 14 ديسمبر الجاري فعاليات مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي في دورته الثامنة بمنطقة الكهيف، بحضور عبدالله العويس رئيس دائرة الثقافة رئيس المهرجان.وتابع الجمهور مسرحية «قصر الثرى» لفرقة فن الضفتين من تونس؛ وهي من إعداد وإخراج حافظ خليفة وأشعار لمجد بن منصور، وعلي بن ناجي ، وناصر بن شايب.
وحكت المسرحية عن قبيلة تسكن في منطقة صحراوية، يختلف أعيانها بين البقاء في المكان الذي نضبت بئره أو الرحيل نحو مكان آخر، فيتحرك بعضهم بحثاً عن الماء والكلأ، بينما يصر البعض الآخر على البقاء ويكافح من أجل العيش وصون وحدة القبيلة والمحافظة على سمعتها.ويركز العرض على إبراز سجايا وشمائل أفراد الجزء الذي تمسك بأرض القبيلة، إذ برغم الشح الذي يعانون منه ظلوا محافظين على مبادئهم وقيمهم في إكرام الضيف، ونجدة المستغيث، والدفاع عن الأرض.
وفي هذا الإطار قدم العرض مجموعة من اللوحات الأدائية التي صورت آداب وعادات القبيلة التونسية، في مواقف ومناسبات متنوعة، مبرزاً الـطقوس والممارسات التي ترافق الميلاد، وزفة الأعراس، والرقصات، والأزياء، وكل ذلك أضفى ثراء مشهدياً جاذباً على العرض الذي تميز أيضاً بلغته المنظومة بالشعر، والمشبعة بالحكم والأمثال الشعبية، وبموسيقاه المتنوعة النابضة بالحيوية.وأثنت الندوة النقدية التي تحدث فيها الناقد السوداني محمد سيد أحمد، على أداء المخرج حافظ خليفة، وقال إن عرض «قصر الثرى» يعد نموذجاً مثالياً للمسرح الصحراوي، الذي يتطابق فيه شكل العرض مع مضمونه، مثمناً استثمار العرض لعناصر التراث التونسي المادية والشفهية، لصياغة فرجة مسرحية متكاملة نصاً وعرضاً.
وكانت فعاليات اليوم الثاني للمهرجان استهلت عند الخامسة مساء بأولى جلسات المسامرة الفكرية التي جاءت تحت عنوان «المسرح الصحراوي.. التجربة والوعي» وأدارها عبدالله مسعود، وتحدثت فيها أولاً الباحثة المصرية داليا همام بمداخلة عنوانها «مسرحة الصحراء بين المرجعية التراثية والتقنيات الحديثة».
إلى ذلك أكدت في مستهلها الدور البناء الذي يلعبه الإبداع الفني في الحفاظ على التراث، من خلال إحيائه وتجديد حضوره بين أجيال اليوم والغد، ما يعد نوعاً من الحفاظ على الهوية. وتحدثت همام عن المزج الذي تظهره عروض المسرح الصحراوي في مضامينها وأساليبها، بين المحتوى المستلهم من الموروثات التقليدية العربية، والشكل المصوغ بأحدث أجهزة الإضاءة والصوت والصورة؛
وقالت إن عروض المهرجان أسبغت على تلك الأدوات التكنولوجية هوية عربية من خلال توظيفها لتجسيد حكايات وسير ومثل محلية.وركزت مداخلة الباحث التونسي نزار السعيدي التي جاءت تحت عنوان «المسرح الصحراوي بين التماثل والاختلاف» على ضرورة حشد الجهود لقراءة تجربة المسرح الصحراوي، لأنها تتميز بالفرادة والخصوصية، وقال إنه شهد مجموعة من العروض التي قدمت في المهرجان، وبدت له أقرب شبهاً إلى «الفنون الأدائية» التي تتميز بطبيعتها الحية والمباشرة والمنفتحة على مجموعة واسعة من الفنون المجاورة كالتشخيص، والفيديو، والرقص، والشعر.
وطلب السعيدي ألا ينظر إلى المسرح الصحراوي بصفته بديلاً أو مضاداً للمسرح التقليدي، وقال إنه يمثل نوعاً آخر من المسرح وحسب، وقد يكون بداية حقيقية لتأسيس ممارسة مسرحية بصبغة عربية.
وأكد المخرج الأردني محمد الضمور في مداخلته المعنونة «النقد المواكب لمهرجان المسرح الصحراوي» أن هناك رصيداً واسعاً من المداخلات النقدية والدراسات النقدية كتبت في السنوات السبع الماضية عن عروض وتجربة المهرجان، في كتب ومجلات وصحف، وقال إن تلك المداخلات تمثل الرصيد الفكري الذي يسند مسيرة هذه التظاهرة، ويجذب إليها المزيد من الحوارات والرؤى التي تسهم في تطويرها، مشيراً إلى أنه خلص بعد قراءته لما كتب حول المهرجان إلى سؤال حول صلاحية المفاهيم النقدية التي ترتبط بقراءة العروض التي تقدم في فضاءات مغلقة «العلبة الإيطالية»، للعروض التي تقدم في المسرح الصحراوي، مشيراً إلى أهمية أن يطور النقاد العرب أدوات ومفاهيم من جوهر المسرح الصحراوي، ليثروا تجربته ويرسخوا مكانته.