(من أكثر موانع الخير الكسلُ والغفلةُ)

كتب المستشار عيسى المسكري

قال ابن القيم رحمه الله: “أعظم الأسباب التي يحرم بها العبد خير الدنيا والآخرة، ولذَّة النعيم في الدارين ويدخل عليه عدوه منها، هو الغفلة والكسل”.

[مفتاح دار السعادة (1/310)].

الشرح البَيِّنُ من كلام ابن القيم

في الدنيا جَنّة لا يشم رائحتها من كان في قلبه ضلالات الغفلة، وفيها حياة طيبة لا يجد نعيمها من تربع على آفة الخمول والكسل.

فالغفلة والكسل أسرة مفككة، يغزوهما أعداء الهمة واليقظة، فهُمَا مطمع لكل سفيه جاهل، ومدخل لكل مفسد قاصد، ومنفذ لكل شيطان مراوغ، ومسكن لكل قريب حاسد، ومأوى لكل بعيد حاقد.

الغفلة موطن للظنون الكاذبة، ومسكن للشكوك الهادمة، ومرتع لكل خائب هالك، تتعفن حولها جراثيم اليأس، وتنبت في أرضها دوافع الشر وجوادب الفتن.

والكَسَل حفرة عميقة مظلمة، أسيرة العاهة والعائقة، وسقطة خائبة، من هوى فيها عميت بصيرته، وطُمست المعالم من قلبه، وانتكست الحقائق من حوله.

فمن تثاءب أهواء اللغو لن يستيقظ إلا على شخير النسيان، ومن نام على سرير اللهو لن ينهض إلا على كوابيس الخرف والحيرة.

فمن تَكَبَّلَت أقدامه بالكسل، تقيد جسده بالعجز، فأصبح القلب عاجزا عن الحركة، مثقلاً عن القيام، وفاتراً عن التقدم والإقدام.

وقال القنُّوجي: “قيل: مَن دام كسله خاب أمله”.

[روح البيان (448/3)].

وقد قيل: “الكَسَل مزلقة الرِّبح، وآفة الصَّنَائع، وأَرَضَة البضائع، وإذا رَقَدَت النَّفس في فراش الكَسَل استغرقها نوم الغفلة عن صالح العمل”.

[موارد الظمآن (35/3)].

والتشابه بين الكسل والغفلة متماثلة في النتيجة الخاسرة، والنهاية الخائبة، والحرمان المؤكد، والمنع المثبت، والخفض المحقق.

فهما توأمان في المقصد والوجهة، زوجان في الحصاد والحصيلة.

ولا يجلس الكسلُ وحيداً إلا وتجد بجواره منغصات الغفلة، ولا تسكن الغفلة في القلب عَزبَةً إلا وتبحث عن معاشرة مفاسد الكسل.

فإن تزوج الكسلُ الغفلة عَشَّشَ الشيطان على خيوط البؤس، وباضت فيه عناكب الشك والبغي، وفرخت فيه ديدان الزيغ والضلال.

فمن ركب دابة الكسل والغفلة نزل على طين الكدر والحرمان، وغرق في أوحال الخيبة والإفلاس، وحرم نعيم اللذة والاطمئنان.

قال معاوية بن قرة رحمه الله: “أكثر الناس حساباً يوم القيامة الصحيح الفارغ”.

[اقتضاء العلم العمل (103)].

ما أحوجنا إلى يقظة عاجلة، واستعداد دائم، وهمة عالية، وعمل دؤوب، ومحاسبة صادقة، فَرُبّ نوم طويل بلا يقظة بعدها أبداً، ورُبّ ليل لا يأتي بعده نور الضياء، ورُبّ فطور لا يدرك صاحبه مائدة الغداء، ورُبّ شهيق وزفير يتوقف بعدهما نفس الضحك وبسمة اللعب ونسمة اللقاء.

الناسُ في غَفَلاتِهِم

وَرَحى المَنِيَّةِ تَطحَنُ

قال الله تعالى: “اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ () مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ () لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ”.

[الأنبياء (1-3)].

A