واصل ملتقى الشارقة الثقافي “يازمان الوصل” جلساته لليوم الرابع، وضم البرنامج جلسة بعنوان “قراءة في كتب عن الأندلس” شارك فيها الدكتور غانم السامرائي، والأديبة مريم الزرعوني، وأدار الجلسة الأستاذ محسن سليمان.

وبدأ د.السامرائي حديثه قائلاً: “كانت الأندلس وما تزال في مركز الاهتمامات الأدبية الغربية على نحوٍ يثير الإعجاب والتأمل، وإذا كانت هي بحد ذاتها قد حازت على هذه المكانة المرموقة لأسباب تاريخية وثقافية وجمالية، فقد كانت أيضًا بوابة انفتاح الكتابات الغربية على إنجازات الحضارة العربية الإسلامية في جنوب أوروبا.”

وأضاف قائلاً: وليس لديّ هنا ما يكفي من مساحة لاستعراضٍ شامل لهذه الكتابات، لكن لبعض الأعمال مكانةً خاصة تقتضي منّا التوقف عندها بإيجاز،مشيرا أن أولها كتاب كتاب أستاذة الدراسات الأندلسية الدكتورة ماريا روزا مينوكال (1953-2012) وهي باحثة كوبية المولد كانت متخصصة في ثقافة وتاريخ العصور الوسطى.

وحسب ما جاء في صحيفة لوس أنجلوس تايمز فإن هذا الكتاب هو صورة “مضيئة وملهمة” لإسبانيا في العصور الوسطى، إن هذا التاريخ الرائع يقدّم كشفًا عن العصر الذهبي “المفقود”، ويسلط الضوء على الثقافة الغنية والمزدهرة للأندلس.

مضيفا بأن المؤلفة توكد أن المؤرخين الغربيين والشرقيين على حد سواء قد تجاهلوا مملكة الأندلس إلى حد كبير، ولكن مينوكال تزعم بشكل مقنع أن النظر إلى العصور الوسطى من خلال عدسة الأندلس لا يكشف عن عصور مظلمة بينها، بل يكشف بدلاً من ذلك عن “سلسلة كاملة من العصور الذهبية.” والواقع أن الأندلسيين قد أرسوا الأساس لعصر النهضة.

وأردف في حديثه عن كاتب آخر كنموذج جديد، حيث سلط الضوء على الكاتب واشنطن إيرفنغ، صاخب كتاب “قصر الحمراء”، وكان واشنطن كاتبًا ومؤرخًا ودبلوماسيًا أمريكيًا، وعمل إيرفنغ سفيرًا للولايات المتحدة الأمريكية في إسبانيا بين عامي 1842 و 1846،

وفي أوائل عام 1826، قبل دعوةً للانضمام إلى البعثة الأمريكية في إسبانيا، حيث عاش في العاصمة مدريد وأنجز بعد عامين كتابه الشهير عن سيرة كريستوفر كولومبس، فانتقل بعدها إلى غرناطة، التي عشقها منذ الوهلة الأولى فوصفها بأنها مدينة بالغة الفتنة والجمال، وسمح له حاكم قصر الحمراء التاريخي، الذي كان في الوقت ذاته كبير أساقفة غرناطة، أن يزور المكان، كما وافق الحاكم بفضل شهرة إيرفنغ، على منحه غرفةً من غرف القصر يقيم فيها ليواصل كتاباته من داخل القصر.

وأشار إلى أن إيرفنغ في كتابه بين الوصف والأسطورة والأحداث التاريخية الحقيقية ، وبفضل هذا الكتاب أصبح جزءاً لا يتجزأ من الحديث عن تاريخ قصر الحمراء، وكانت له عدة مؤلفات أخرى حاول فيها تصحيح صورة العرب والمسلمين والتأكيد على أن الأندلس كانت منطقة إشعاع للحضارة والنور وسط أوروبا الغارقة في الظلام.

وشاركته مريم الزرعوني الرأي، وقالت:ارتبط ازدهار الثقافة والأدب في الأندلس إبّان الوجود العربي الإسلامي بعدة عوامل أهمها: التعددية الثقافية، واختلاف الألسنة والأعراق والأديان، دعم السلطة المستنيرة للأدب والثقافة والمثقفين، ووجودهم ضمن حاشية السلطان، الترجمة في ظل الثقافات متعددة اللغات، التفاعل والتواصل الثقافي بين المشرق والمغرب.

وأضافت قائلة:وكانت الأندلس تجذب العلماء والشعراء والأدباء والمبدعين، لما تتمتع به من حضارة،

ومن أشهر العلماء الذين هاجروا إلى الأندلس عالم اللغة والأديب أبو علي القالي، أحد أعلام زمانه، ورحلته من العراق إلى الأندلس، كانت لها أسباب متعددة أولها البحث عن التلاميذ في بقعة جديدة، حين ازدحمت بغداد بالعلماء، وانحسر عنه الطلاب، ثم دعوة الحاكم عبد الرحمن الناصر له للإقامة في قرطبة.

ومن أهم مؤلفاته التي عكف عليها في الأندلس، “الأمالي” الذي يحتل مكانة خاصة، حيث أُملِيَ من حافظته في جامع الزهراء وأصبح يُعرف أيضاً بـ”النوادر”. تميز القالي بحديثه العميق عن اللغة والشعر والأدب، مما ساعد على الحفاظ على التراث الثقافي العربي. تطرق المتحدثون إلى تأثير هذا الكتاب وأهميته، سواء في تقديم الأدب أو في تحليل اللغة، مشيرين إلى أن تلميذه أبو عبيد البكري قد قام بشرح هذا الكتاب وأصدر تعليقات قيمة عليه.

موضحة هذا بالإضافة إلى “الأمالي”، حقق القالي في مؤلفاته تجارب أدبية متنوعة، وأظهر حبه للمعرفة بمناقشة الأمثال والأخبار والغرائب اللغوية، ما جعل كتبه مصدراً غنياً للباحثين.

وانطلقت بعدها وضمن برنامج “إذا الغيث همى”، قراءات شعرية (بين زمنين)، اختار خلالها الشعراء المشاركين عدة قصائد أندلسية إضافة لقصائدهم، وشارك فيها الشاعر أكرم جميل قنبس، والشاعر مظفر الحمادي، والشاعرات ساجدة الموسوي، وزينب عامر، وسليمة المزروعي، وأدارت الجلسة الأديبة شيخة المسماري، وبدأ الشاعر د. قنبس الأمسية بقراءة أبيات شعرية للشاعرة الأندلسية مريم اليعقوبية، والتي اشتهرت في مجال الدين والأدب والشعر والحكمة، وكانت بينها وبين الشاعر ابن المهند مساجلات شعرية، تؤكد على مدى احترام وتقدير الأخير بها، حيث قال:أشْبَهْتِ مريماً العذراء في ورع   وفقْتِ خنساء في الأشعار والمثلِ

وردت عليه مريم بقصيدة قالت فيها:مَنْ ذا يجاريكَ في قول وفي عمل    وقد بَدَرْتَ إلى فضْل ولم تسَلِ

ومن ثم ألقى د.قنبس قصيدة من قصائده “سيدة البُشُرات”، وقد كانت ثمرة من ثمار قراءته في كتاب مسرحية عنوانها (القضية) لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى لاتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، حاكم الشارقة، وقال في مطلعها:

بسيدة البشرات الأغَنْ  تَباهَتْ فَخاراً حُصونُ وطن

عليه دَجا المعتدون الطغاة  وعاثوا بكل بهيج حَسَنْ

وألقى الشاعر الحمادي قصيدة مستوحاة من اسم ملتقى الشارقة الثقافي، “زمان الوصل”، قال في مطلعها:

أحبك يا زمان الوصل فخراً فلي في كل شارقتي حوار

كقربطة الزمان تضج علماً بسلطان يجمله الوقار

وألقت الشاعرة الموسوي قصيدة للشاعرة بثينة بنت المعتمد، وهي واحدة من أميرات وشاعرات العرب في الأندلس، وبعد أن سجن والدها وأصبحت هي أسيرة، قالت لوالدها:

اسمع مقالي واستمع لمقالتي   فهي السلوك بدت من الأجياد

لا تنكروا أني سبيت وأنني    بنت لملك من بني عباد

ومن ثم ألقت واحدة من قصائدها، وهي “بهجة الانتظار”، وقالت في مطلعها:

غفوت على حلم غامرٍ وانتظار

ولما صحوت رأيت رسائل شوق حزين

مخبأة تحت ريش القطا

وقرأت الشاعرة زينب قصيدة للشاعر الأندلسي المعتمد بن عباد، قالت في مطلعها:

سكن فؤادك لا تذهب به الفكر    ماذا يعيد عليك البث والحذر

وازجر جفونك، لا ترضَ البكاء لها   واصبر فقد كنت عند الخطب تصطبر

ومن قصائدها اختارت قصيدة ” القصائد”، وقالت في مطلعها:

القصائد لا تعي كلماتها

تهمي عليك بفكرة

أرجوحة تغوي حكايات الهوى

تغوي سلامك

تستظل بحزنك الخافي ..

وقرأت سليمة عدة قصائد، منها قصيدة “عيناك”، وقالت في مطلعها:

عيناك أرضي وسوري وداري

ورملي وجاري وباب السماء

وصوتك شعري وثلجي وجمري

وجنة خلدي..