لماذا فضلت عشرة ذي الحجة
بقلم الدكتور حازم صيام
أن خريطة الطريق إلى هذه الأيام المباركة مازال موصولا, وكل يدلي بدلوه في معين النقاء الصافي وبحر العطاء الجزافي ومنتهي أمل الجزاء الوافي …كلنا يحاول الوصول في هذا الي الله ..وقد رأيت كما راي غيري أن هذه الأيام المباركة هي خير أيام الله .. وهي بغيه الخيرين وسقف سماء الواصلين , وتمام كمال المتممين فاتمم يتمم الله لك .. ولكني هنا لا ابحث عن الأفضلية وإثبات ذلك , إذ أن القضية قد حسمت من قبل.. فافعلوا من الخير كل ما تجدوه ..وكفوا عن الناس الشرور قدر ما تستطيعون .. أن بحثي هنا عن شيء آخر وهو لماذا فضلت هذه الأيام دون غيرها؟
ولنعلم بان المعرفة بسر هذا الأمر ليس ضربا من المباراة بالألغاز أو الحوز من العلم ما لا يحاز أو حتى مجرد فك الالتباس ..لا بل إننا حينما نحاول أن نعلم السر في هذا فإن هذه المعرفة جديرة بأن تدفعنا إلي إن نستزيد من البر للوصول الي رضوان الله وتحقيق مراده ..إننا نحتاج دائما أن نؤكد اتجاه البوصلة حتي نتجه الي الله علي هدي وبصيرة وعلي كتاب منير.. وهذه الأيام المباركة إنما هي طريق الوصول إلي الحج .. هذا الحج الذي اقترن أكثر ما اقترن بإبراهيم عليه السلام فلماذا أيضا اقترنت هذه الفريضة بإبراهيم عليه السلام .. أن الجمرات إنما هي جمرات إبراهيم علي شخص إبليس اللعين وهى العقبة ألصغري والوسطي والكبرى وان الصفا والمروة ( هي رحله هاجر زوج إبراهيم بحثا عن الماء في شعاب جبال مكة ) وأنها (من شعائر الله فمن حج البيت فلا جناح عليه أن يطوف بهما) .. وان الذبح إنما هو فداء إسماعيل الذي نزل من السماء.. وان شرب زمزم ولتضلع بها والاستشفاء وقضاء حوائجنا جميعا (فماء زمزم لما شرب له) إنما هي شعائر ابراهيميه كلها.. فلماذا اختص الحج واستحوذ دون غيره علي أفعال أل إبراهيم أنه حميد مجيد..لقد كان السر وراء إبراهيم عليه السلام هو إخلاصه لله برغم الأفعال الكثيرة والتضحية والتصديق فإن شيء واحد كان كمال أفعاله عليه وآله السلام إلا هذا الشيء هو الإيمان الذي وفر في قلبه وهو الإخلاص لقد جاء آل إبراهيم جميعا ربهم بقلوب سليمة وهذا هو سر استحواذ عباده الحج علي مناسك إبراهيم عليه السلام ذلك أن الحج نفسه إنما هو عباده الإخلاص حتى انك تتجرد من الدنيا جميعا ومن ملابسك فلا يبقي إلا قطعه قماش تستر عورتك.. وتتجرد من طيبك وتزيينك وحلاقتك وكل ما يمكنك أن تفعله في الحل إنما هو في الحرم حرام حتى الصيد تناله أيديكم ورماحكم.. انك في الأرض الحرام وفي البلد الحرام وفي البيت الحرام ..حرام عليك أن تبغي وان تفعل إلا ما أحل الله (ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب اليم).. ولم هذا كله؟ لأنك في أرض الإخلاص وفي زمن الإخلاص وفي حال الإخلاص.. ولهذا جاء حديث رسول الله الذي يقول فيه : «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام.. يعني أيام العشر قالوا يا رسول اللهِ ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء»..ونحن نعلم ما لدي الرجل الذي خرج بنفسه وماله فلم يرجع بشيء منهما ..أنه تمام الإخلاص والتقوى .. أن الحج عباده الإخلاص كما كان ذلك في تصديق إبراهيم الرؤيا ( يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا).
أن إخلاص إبراهيم عليه السلام في أمور حياته كلها هي سمةُ بارزة للأنبياء جميعا بلا شك لكن لاسيما في الحديث عن خليلُ الله إبراهيم، فقد قال تعالى عن خليله عليه السلام: “وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ–إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ” .. لقد اختص الله إبراهيم في القران بقوله : وان من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم .. فجاء هذا القلب السليم وهذا الوصف الجميل مقصورا علي إبراهيم دون غيره من سائر الأنبياء ..أن هذا القلب السليم هو قلب سيدنا إبراهيم.. وان علامة القلب السليم ونتيجته العظيمة هي الإخلاص وكان من حديث رسول الله (ص)عن أنس قال ثلاثة لا يغل عليهن قلب مسلم أولهم جاء الحديث عن إخلاص العمل لله .. وفي الحديث القدسي : أنا اغني الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه.. وقال سبحانه في كتابه في سوره الحج الذي نحن بصدوده : لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقويم منكم ..هذه التقوى هي معني كبير وعريض يشرح لنا معني الإخلاص الذي هو شارح لعباده الحج وان النص الشريف الذي يقول وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون خلاصته أن إلا ليخلصون فالعبادة بلا إخلاص تهلك صاحبها وتسلمه إلي النار ..فهذا هو سر تفضيل هذه الأيام العشر أنها أيام التقوى ..أنها أيام الإخلاص لله رب العالمين .. جعل الله كل أوقاتكم لله إخلاصا وتقوي.
انتهى