نظمت ندوة الثقافة والعلوم جلسة نقاشية بعنوان “الصحافة الورقية وتقنيات الإعلام الحديث” بمشاركة الإعلامي غسان طهبوب ود. أحمد المنصوري رئيس قسم الإعلام والصناعات الإبداعية أن جامعة الإمارات، وحضور معالي محمد المر رئيس مجلس أمناء مكتبة محمد بن راشد وعلي عبيد الهاملي نائب رئيس مجلس إدارة الندوة ود. صلاح القاسم المدير الإداري ود. رفيعة غباش ود. حصة لوتاه، والإعلامي محمد المزعل ولفيف من الإعلاميين والمهتمين.
استهل الندوة علي عبيد الهاملي متسائلاً عن مستقبل الصحافة الورقية، وما هو واقعها والمأمول منها في المستقبل؟
وأضاف الهاملي أن هناك بعض الظواهر التي تسبب نوع من القلق للعاملين في مجال الصحافة، وستحاول الندوة أن تلقي الضوء على بعض هذه الظواهر، وتستشرف مستقبل الصحافة في ظلها.
وأكد الهاملي أن المشهد يبعث على القلق فهناك وسائط تواصل اجتماعي تفرض نفسها في الساحة الإعلامية، وهناك عديد من الأزمات منها أزمة الورق، والأزمات الاقتصادية وأزمات صحية وغيرها، هناك مشهد عام بكل مكوناته يضع الصحافة الورقية في موقع خطر، فما هو وضع الصحافة الورقية في ظل المتغيرات المستجدة، وإلى أين نحن ذاهبون؟ وهل الصحافة الإماراتية متقدمة تقنياً على سائر الصحافة العربية؟
وتساءل الهاملي هل الوضع الراهن سيؤدي إلى المزيد من تخلي الصحافة الإماراتية عن الإصدار الورقي، وقد كانت هناك تجارب لدى بعض الصحف في توقف الصدور في نهاية الأسبوع والاكتفاء بالإصدار الرقمي، فهل هذا بسبب هيمنة وسائل التواصل وقلبها لمفاهيم الصحافة الورقية؟ وهل الصحافة الرقمية موجودة على مناهج كليات الإعلام؟
وذكر غسان طهبوب أن موضوع النقاش متحرك وليس ساكن، لأن التكنولوجيا التي تقود تتغير وتتطور كل يوم، وتستجد تقنيات جديدة يومياً، تأخذ وقت في البحث والتحاور، والإعلام الورقي في أزمة حقيقية لأن التكنولوجيا أتاحت للقارئ ما لم يكن متاحاً من قبل، ما أتاح للقارئ ميزة بمثابة زلزال لكل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ويتضح ذلك في الدول المتقدمة بشكل خاص لأنها الأسرع في النفاذ للشبكة الإلكترونية، ما تسبب في خروج كثير من المطبوعات من سوق النشر والإعلام، وبعض المطبوعات استطاعت الدمج بين الإلكتروني والورقي، والبعض الآخر تفوق في رفع نسبة الاشتراكات الإلكترونية إلى أرقام غير مسبوقة من خلال اعتماد مقاربات شمولية لا يكون أساسها النسخة الورقية، ولكنها تأخذ في الاعتبار متطلبات النفاذ عبر مختلف المنصات.
وأضاف طهبوب أن بعض المؤسسات الإعلامية الكبرى في الغرب نجحت في إجبار مستخدمي المحتوى على دفع مقابل استخدام الأخبار والعناوين فيها، ولكن هناك الكثير من المؤسسات تعاني تعثر في الاستمرارية الورقية.
وأكد طهبوب أن هناك عزوف من القراء عن الأخبار المحبطة من حروب وأوبئة وكوارث، ما أثر على متابعة الأخبار في مختلف وسائل الإعلام ومنح مجال أوسع لمنصات ووسائل التواصل الاجتماعي المستقلة للتفرد، إلا أن هذه المنصات بينها متغيرات كبيرة بسبب اتجاه جيل الشباب نحو التيك توك والانستجرام واليوتيوب، وهبوط كبير في متابعة ودخل التويتر والفيسبوك.
وأشار طهبوب إلى أهمية موازنة المؤسسات الصحفية بين النسخة الورقية والنسخة الإلكترونية والتي لابد أن يكون لها تبويب خاص وتتضمن جميع المنصات حتى تحافظ على متابعين بنسب كبيرة، وأكد أن أي مؤسسة إعلامية لا تضع التكنولوجيا الرقمية وتطبيقاتها في حساباتها سيكون مصيرها إلى الإغلاق، بسبب شح الإعلانات وارتفاع تكاليف الورق وانحسار وتراجع التوزيع، وما سينقذ المطبوعة الورقية هو الخوض إلى المطبوعة الرقيمة والمحتوى المميز.
وذكر طهبوب أن لمعرفة مستقبل الصحافة الورقية لابد من عمل دراسات حول الاتجاهات القرائية لدى الشباب باعتبارهم المستقبل والغالبية العظمى من المجتمع، كثير من الشباب وصغار السن يعزفون عن قراءة الصحف الورقية ويعتمدون على المنصات، وإذا تواجد محتوى يستحق المتابعة تابعوه بشغف فنوعية المحتوى هو فيصل المتابعة، ومع الأسف الشباب العربي لا يجد في الصحيفة المحتوى المميز لمتابعته.
وعن استمرار الصحافة الورقية ذكر أن الصحف الحكومية في مأمن في الوقت الحالي، ولكن الصحف الخاصة تعاني وسيكون هناك إغلاقات مستقبلية، وعليه لابد من تأهيل وتدريب الصحفيين لإنتاج محتوى يناسب النسخة الإلكترونية ومختلف المنصات الإعلامية.
وأكد طهبوب أن الذهاب إلى المستقبل يتطلب تغيير كامل في نمط التعاطي مع المحتوى، فما يصلح للنسخة الورقية لا يصلح للإلكترونية، وما يصلح للنسختين لا يصلح للمنصات.
وعن وضع الصحافة العربية تقنياً أكد د. أحمد المنصوري أن التحولات التكنولوجية التي طرأت في السنوات الأخيرة لم تكن مفاجئة، فمنذ دخول الانترنت هناك توقع بإحداث تغيرات نوعية في سلوك المستهلك، وهناك كثير من المؤسسات الإعلامية الغربية التي استطاعت التكيف مع هذه التغيرات واستطاعت أن تحدث تواجد لدى جمهور القراء، ولكن في الصحافة العربية كان التطور بطيء ولم تستطع الصحافة العربية مواكبة التطورات التقنية، حتى أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي المصدر الرئيسي للأخبار، وبرزت ظاهرة الصحافي المواطن أو المؤثر الذي ينتج محتوى إعلامي ويخلق جماهيرية.
وأضاف المنصوري أن المؤسسات الإعلامية العربية لم تستطع الارتقاء بمحتواها الإعلامي لدرجة تحافظ على جمهورها، أو أن تستقطب جمهور جديد في المنصات الرقمية، ما أدى إلى أن تغلق كثير من الصحف الورقية لما تعانيه من أزمات بسبب عدم مواكبتها لتطلعات الجمهور الباحث عن السرعة والآنية والتحليل إضافة إلى الأزمات الاقتصادية الكثيرة.
ورأى المنصوري أنه من الإجحاف إلقاء اللوم على جمهور القراء، لأن اللوم يقع على المؤسسات الإعلامية التي لم تسرع في تطوير ومواكبة التغيرات، واكتفت فترة بما يردها من إعلانات دون الانتباه إلى أهمية إحداث التغيير حتى أصبحت أمام خيارين إما التحول الكامل إلكترونياً، أو الانسحاب من الساحة وهذا حدث مع صحف كثيرة، وهذا نتيجة طبيعية لأن الصحفي كان ينظر إلى التكنولوجيا باعتبارها مجرد إضافة جديدة ولن تسحب البساط، ولكنها ليست ظاهرة جديدة ولكن صيرورة عمل مستقبلي وهناك القليل من الصحف التي استطاعت الصمود وسط هذه النقلة التقنية.
وأضاف المنصوري أن هناك لوم على المؤسسات الأكاديمية لتأخرها عن تطوير برامجها ومناهجها الدراسية بما يلائم التطور الحاصل والمتسارع، وأمام المؤسسات الأكاديمية مسؤولية تطوير برامج أكثر ملائمة مع الوضع الحالي.
وأكد أن اندثار الصحافة الورقية لا يعني موت الصحافة فالمهنة ستظل باقية طالما الإنسان لازال يبحث عن معلومة فقط سيكون هناك اختلاف في الوسيلة بدلاً من الورقية ستكون إلكترونية. وأن التكنولوجيا هي من يدير الإعلام.
وأشار معالي محمد المر أن موضوع التكنولوجيا والإنسان طرح وأخذ الكثير من الجدل والنقاش منذ زمن، وكان هناك نقاش بين الفلاسفة والأدباء بين مفهومي اليوتوبيا وهي استخدام الإنسان للتكنولوجيا في القضاء على الفقر والمرض والسفر وغيرها، والآخر الدستوبيا ويعني إما سيطرة الآلة على البشر، أو تستطيع قوى شريرة استخدام التكنولوجيا للسيطرة على البشر، وكانت هذه رؤى استخدام التكنولوجيا، ونحن في الوقت الحالي بين هاتين الرؤيتين. وبالنسبة للصحافة الورقية فهي تدريجياً في طور الانحصار وهناك بديل لها فهناك الراديو والتلفزيون مستمرين ولهم قوانين تنظم عملهم وحتى الصحافة ووسائل الإعلام، ولكن الإعلام والوسائط الجديدة فتحت كثير من المجالات التي لم تنظم بعد ومنها الأخبار الكاذبة والتي تشترك فيها مخابرات دولية وتوجهات أيديولوجيا وأشخاص لها توجهاتهم ومن الصعب تنظيمها.
وأكد المر أهمية تعامل المجتمعات مع الاضطراب في الإعلام الحديث ومحاولة مواكبة الإعلام التقليدي للمستجدات التقنية والصمود أمام التحديات من خلال المحتوى المميز والتأهيل التقني للإعلاميين وتدريب الكوادر الجديدة وسن القوانين المناسبة.
وتداخل الكثير من الحضور منهم من أكد استمرار الصحافة الورقية والعمل الصحفي الدؤوب، ومنهم من رأى سيطرة التكنولوجيا والتقنيات الحديثة على الإعلام.