تنظم مؤسسة الشارقة للفنون ضمن برنامجها لخريف 2024، معرضين للفنانتين بشرى خليلي وإميلي كاراكا، يقامان في المباني الفنية في ساحة المريجة في الفترة بين 7 سبتمبر/ أيلول و1 ديسمبر/ كانون الأول.
يأتي معرض بشرى خليلي تحت عنوان «بين الحلقات والكوكبات»، وهو من تقييم حور القاسمي رئيس مؤسسة الشارقة للفنون، مع أمل العلي وميرا مادهو، القيّمتان المساعدتان في المؤسسة، ويضيء على الاستقصاء المعمّق الذي اتبعته خليلي في نبشها التاريخ المغيّب للتضامن بين المجتمعات العابرة للحدود والمجرّدة من الجنسية، وذلك من خلال تقديم مجموعة مختارة من المشاريع البارزة التي طوّرتها على مدار الخمسة عشر سنة الماضية، إذ تتجاوز هذه الأعمال التصنيفات التقليدية كالروائي أو الوثائقي، لتدمج ببراعة بين المواد البصرية والصوتية المتنوعة، ما يتيح لها صياغة فرضيات حول أشكال جديدة ومبتكرة من الانتماءات.
تتميز أعمال خليلي المولودة في المغرب بتنوعها الكبير، بما يشمل الأفلام والفوتوغراف والطباعة والأعمال التركيبية والنشر والنسيج، متخذة من تعاونها مع أفراد المجتمعات التي همشتها ممارسات الدولة الوطنية، سمة ثابتة وحيوية في أعمالها، بما يتيح لهم تقديم خبراتهم الشخصية والجمعية، مساهمين مع الفنانة في تطوير طرق جديدة لفهم التاريخ، وفي سبيل ذلك تستخدم خليلي المونتاج كأداة فعّالة للتعبير والتأمل، ما يعزز من أسلوبها السردي في تحويل الجمهور إلى مشاركين فاعلين.
تعبّر الكلمتان الأساسيتان في عنوان المعرض، «الحلقات» و«الكوكبات»، عن المجتمعات المحتملة التي تتراءى في أعمال خليلي. «الحلقات»، مفردها «حلقة»، وتمثّل تجمعاً أو نمط لقاء في المغرب متصل بسرد القصص، حيث يتحلق الناس من مختلف الأجيال لتبادل الذكريات والأفكار السياسية. يحضر هذا النمط من التجمع الشعبي في أعمال الفنانة منذ بداياتها، لكنه يبرز على نحو خاص في مشاريعها الأخيرة التي تتناول الفرق المسرحية التي أسسها العمال المهاجرون من شمال إفريقيا في فرنسا خلال سبعينيات القرن الماضي، وصولاً إلى عملها التركيبي الجديد «الحلايقي» الذي أنجزته في مراكش عام 2024. وتستمدّ كلمة «الكوكبات» جذورها من فكرة شبكة التضامن العابرة للحدود، حيث يكشف المعرض عن ارتباطات عميقة بين مجموعات المهاجرين والحركات المناهضة للاستعمار عبر البحار والقارات.
يجمع المعرض هذه الأعمال المتنوعة، مُسلطاً الضوء على ما تسميه الفنانة «المواطنة الراديكالية»، وهي فكرة تقدّم مفهوماً غير مشروط للمجتمع يتخطى الحدود التقليدية للهوية.
أما معرض «كا أواتيا، فجر جديد» فيقدم أعمال الفنانة الماورية إميلي كاراكا سليلة قبائل «إيوي» المتواجدة على أراضي تاماكيماكاوراو، ومضيق أوكلاند، ووايكاتو-تاينوي، ونغاتي كاهو، ونغاتي هيني.
تُعتبر كاراكا فنانة تعبيرية تجريدية، وملوّنة استثنائية تقدّم أحياناً فناً تجميعياً، وقد علّمت نفسها بنفسها، وجعلت من السياسات الاستعمارية قضيتها الشخصية الحاضرة بقوة في أعمالها، بما يجسد نضالها المتصل بحقوق الماوريين في معاهدة وايتانغي، الوثيقة التأسيسية لنيوزيلندا (آوتياروا).
تصف كاراكا لوحاتها بأنها «مناظر طبيعية سياسية» أو «بورتريهات ذاتية متجذرة في المناظر الطبيعية»، تعكس صيرورة نضالها في سبيل تحقيق العدالة والمساواة لقبائل «إيوي»، بالتوازي مع احتكام أعمالها على كثافة تعبيرية استثنائية، وألوان مشبعة، تتسيد لوحاتها ذات الحجوم الكبيرة، والتي تعكس سطوة موضوعاتها المحمّلة برسائل قوية حول سيادة الماوريين، والعدالة الاجتماعية، وصون البيئة، إلى جانب حبها العميق لعائلتها.
يسلط هذا المعرض الضوء على أعمال كاراكا كفنانة سياسية مؤثرة، تجمع بين رؤيتها الفنية وقيمها العميقة كحاملة للواء المعرفة الثقافية والتاريخ القبلي الثري، كما يعكس قوتها كرسامة، ويجمع بين مختارات من مقتنيات عامة وخاصة تغطي خمسة عقود من مسيرتها، بالإضافة إلى تكليفات جديدة من مؤسسة الشارقة للفنون.
المعرض من تقييم حور القاسمي، رئيس مؤسسة الشارقة للفنون، وميغان تاماتي-كوينيل إحدى قيّمات بينالي الشارقة 16، مع أمل الخاجة وعبدالله الجناحي القيّمان المساعدان في مؤسسة الشارقة للفنون.
بشرى خليلي- السيرة الذاتية
بشرى خليلي فنانة بصرية مغربية-فرنسية مقيمة في فيينا، تتخذ من التجوال والتنقّل رافداً أساسياً لأعمالها، التي يغلب عليها التنوع، بما يشمل الأفلام والفوتوغراف والطباعة والأعمال التركيبية والنشر والنسيج، بالإضافة إلى المنصات التحريرية والخطابية. تطوّر خليلي من خلال ممارستها الفنية متعددة التخصصات استراتيجيات تعاونية لسرد القصص تُشرك فيها أفراداً من مجتمعات مستبعدة من المواطنة الكاملة، كما تبتكر نظريات تعيد تشكيل مفهوم الانتماء، وذلك من خلال دمجها التقاليد الشفاهية مع العناصر البصرية والصوتية التي تستلهم جذورها من فترة ما بعد الاستقلال إلى جانب الممارسات المفاهيمية.
قدّمت خليلي العديد من المعارض الفردية في مؤسسات بارزة، منها متحف الفن المعاصر في برشلونة ومؤسسة لوما في آرل (2023)؛ متحف بيلد في أوميا (2021)؛ متحف الفنون الجميلة في بوسطن (2019)، ومتحف الفن الحديث في نيويورك (2016). كما شاركت في بينالي فينيسيا (2024، 2013)، وبينالي الشارقة (2023، 2011)، ودوكيومنتا 14 (أثينا/كاسل، 2017) وغيرها. حصلت خليلي أيضاً على زمالات مرموقة بما فيها زمالة معهد رادكليف في جامعة هارفارد (2017)، ومعهد الأفكار والخيال بجامعة كولومبيا (2019)، ومركز فيرا ليست في نيو سكول بنيويورك (2011-2013) بالإضافة إلى ذلك، خليلي هي عضو مؤسس في “سينماتك طنجة”، وهي منظمة غير ربحية تديرها مجموعة من الفنانين المغاربة.
إميلي كاراكا- السيرة الذاتية
تنحدر إميلي كاراكا (مواليد 1952، تاماكي ماكاوراو، نيوزيلندا) من أصول قبائل نغاي تاي كي تاماكي، وتي كاويراو آ ماكي، ونغاتي تاماوهو، وتي آكيتاي وايوهوا، وتي أوهفيارو، ونغاتي ماهوتا، ونغاتي تاهينغا، ونغاتي كاهو ونغاتي هيني.
تستلهم كاراكا أعمالها من العديد من الأنماط الفنية المكرّسة، بما في ذلك التعبيرية التجريدية و«توي واكايرو»، وهي ممارسة ماورية للنحت على الخشب أو العظام أو الحجر. تتميز أعمالها بالألوان اللافتة والحساسية المكثّفة، وغالباً ما تتضمن نصوصاً مكتوبة للتعبير عن جهود الفنانة المديدة في الدفاع عن سيادة شعب الماوري واستقلاله.
تشكّل أعمال الفنانة جزءاً من مقتنيات العديد من المؤسسات الفنية، بما في ذلك: غاليري توي أو تاماكي للفنون في أوكلاند، وغاليري كرايستشيرش للفنون، ومتحف نيوزيلندا تي بابا تونجاريوا. أنتجت الفنانة في الآونة الأخيرة العديد من اللوحات لصالح بينالي سيدني الثاني والعشرين (2020)، والمعرض الاستقصائي «الفن الماوري المعاصر» في غاليري توي أو تاماكي للفنون (2020).
عن مؤسسة الشارقة للفنون
تستقطب مؤسسة الشارقة للفنون طيفاً واسعاً من الفنون المعاصرة والبرامج الثقافية، لتفعيل الحراك الفني في المجتمع المحلي في الشارقة، الإمارات العربية المتحدة، والمنطقة. وتسعى إلى تحفيز الطاقات الإبداعية، وإنتاج الفنون البصرية المغايرة والمأخوذة بهاجس البحث والتجريب والتفرد، وفتح أبواب الحوار مع كافة الهويّات الثقافية والحضارية، وبما يعكس ثراء البيئة المحلية وتعدديتها الثقافية. وتضم مؤسسة الشارقة للفنون مجموعة من المبادرات والبرامج الأساسية مثل «بينالي الشارقة» و«لقاء مارس»، وبرنامج «الفنان المقيم»، و«البرنامج التعليمي»، و«برنامج الإنتاج» والمعارض والبحوث والإصدارات، بالإضافة إلى مجموعة من المقتنيات المتنامية. كما تركّز البرامج العامة والتعليمية للمؤسسة على ترسيخ الدّور الأساسي الذي تلعبه الفنون في حياة المجتمع، وذلك من خلال تعزيز التعليم العام والنهج التفاعلي للفن.
عن متحف برشلونة للفن المعاصر
متحف برشلونة للفن المعاصر، هو مؤسسة عامة تجمع بين تقصّي الماضي، والتطلّع إلى بناء المستقبل. ينطلق المتحف من رفض السرديات الأحادية المهيمنة، ويركز في مهمته على البحث في الفن المعاصر ونشره بين جمهور واسع، بهدف تحفيز التحولات الاجتماعية من خلال تمكين الأفراد من المشاركة الفعالة في الأنشطة الديمقراطية والثقافية والتعليمية.
يُعد المتحف مكاناً مضيافاً يلتزم بمبدأ الضيافة، مع إدراكه التام بالظروف المحيطة به كساحة تتأثر بالتوترات الاجتماعية الناجمة عن العولمة.
يدعم المتحف الممارسات الفنية التي تدعونا للتأمل والتفكير النقدي، وتشجع على رفض البديهيات. كما يسعى إلى إنشاء مساحات مشتركة جديدة تعمل كمختبر لمواطنة متجددة.
يقوم متحف برشلونة للفن المعاصر بالبحث والتحقيق وإثراء التراث الملموس وغير الملموس من خلال أنشطته المتنوعة. وتضفي هذه الرؤية على المتحف طابعاً أصيلاً وفريداً، يتعزز ويتكامل بتبادل المعرفة المستمر على الصعيدين المحلي والدولي.