مجلّة مجمع اللّغة العربيّة بالشّارقة: “الضّاد” غنيّة بتاريخها الفكريّ والأدبيّ وحاضرها الحافل بالأعلام

أكّدت مجلّة مجمع اللّغة العربيّة بالشّارقة أنّ الأرض العربيّة لا تزال تحمل في جوانبها ثروات فكريّة وأدبيّة، وهي قادرة اليوم، كما كانت في الماضي، على إنجاب مفكّرين وأدباء وشعراء مبدعين يتمتّعون بالذّكاء والفصاحة والرّؤية السّديدة. واستعرضت المجلّة في عددها العاشر موضوعات متنوّعة تناولت جوانب مختلفة من اللّغة والأدب، حيث أضاءت على أهمّيّة امتلاك الطّلاب مخزونًا من الكلمات وأدوات التعلم، وصحّحت المفاهيم المغلوطة حول علم النّحو بأنه بعيد عن التّذوّق والجَمال، كما أضاءت على قصص وحكايات عربيّة تثري المخزون المعرفيّ والثّقافيّ للقرّاء.

السبيل إلى صناعة مَلَكة لغويّة مُبِينة

وفي مقال له ضمن العدد العاشر، بعنوان “السّبيل إلى صناعة مَلَكة لغويّة مُبِينة”، أكّد الدّكتور امحمّد صافي المستغانمي، الأمين العامّ لمجمع اللّغة العربيّة بالشّارقة، أنّ السّبيل إلى تحقيق التّواصل الفعّال والتّعبير عن الأفكار والمشاعر بطلاقة، هو امتلاك الطّالب مخزونًا واسعًا من الكلمات التي يفهمها جيّدًا ويستطيع نطقها واستخدامها بشكل صحيح في مختلف المواقف، وأنّ عليه أن يدرك أنّ تعلّم اللّغة لا يتوقّف على مجرّد معرفة معاني الكلمات وقواعدها فحسب، بل يجب أن يعي أنّ إتقان اللّغة يأتي من خلال امتلاك أدوات التعلّم الصّحيحة والفعّالة.

وشدّد المستغانمي على أنّ الأرض العربيّة غنيّة بتاريخها الفكريّ والأدبيّ، وهي قادرة اليوم على إثراء السّاحة الأدبيّة بالعلماء والفصحاء، مشيرًا إلى أنّ المناهج التّعليميّة الحديثة تستحقّ الثّناء؛ لأنّها تعلّم الطّلاب المهارات العلميّة المتقدّمة، وتنمّي فيهم التّفكير النّقديّ والإبداعيّ، وتشجّعهم على الاستفسار والبحث، وهذه مهارات ضروريّة للنّجاح في العالم المعاصر.

نظرات في البيان القرآنيّ

وفي بحث بعنوان “الأبعاد الدّلاليّة للعدول عن المطابقة بين الضّمير ومرجعيّته”، للباحث علاء يونس فرج، أوضح فيها أنّ التّغيير في الأسلوب التّقليديّ للكلام هو طريقة يستخدمها المبدعون للانتقال من قاعدة لغويّة إلى أخرى لتحقيق معانٍ خاصّة في الكلام. وهو تغيير لا يفسد المعنى أو يخلّ بالجملة، ولا يعتبر خروجًا عن الصّواب، بل يُستخدم لإضافة معانٍ لا يمكن تحقيقها إلّا بتجاوز القواعد المألوفة، وهو أسلوب استخدمه القرآن الكريم لغايات بلاغيّة، كقوله تعالى: ﴿وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنّا لحكمهم شاهدين﴾. فعدل عن الأصل المعتاد، وهو أن يقول: “لحكمهما” أي داوود وسليمان، إلى ضمير الجمع “لحكمهم”، لغاية بلاغيّة قيل هي التّعظيم، وقيل غير ذلك.

علم النّحو غني بالجَمال… ولكن

وفي مقالة “النّحو والمجاز رؤية نقديّة” للدّكتورة خلود النّازل، أكّدت أنّ الكثير من الدّارسين سلكوا في النّحو طريق من يظنّ أنّه علَم يُراد به قواعد الرّفع والنّصب والجرّ والإعراب والبناء، بعيدًا عن الأسلوب البلاغيّ، وهو خطأ يظلم علم النّحو، إذ النّحو كما أراده وعرّفه القدماء ممّن أسّسوا هذا العلم هو أن ننحو منهج العرب في كلامهم، وهذا يدلّ على أنّ اللّغة في تراكيبها النّحويّة لها ميّزات فريدة حافلة بالجَمال والأساليب، وتحتاج إلى تمعّن في دراستها والتماس بديعها وجمالها.

وافق شنّ طبقة

أما فقرة “الطّرائف” من مجلّة المجمع، فتحدّثت عن المَثل “وافق شنّ طبقة” الذي يعني توافق الأشخاص في العقل والحكمة عند اجتماعهم في عمل أو حياة مشتركة. وقصة المثل أنّ رجلًا حكيمًا اسمه “شنّ” قرّر البحث عن امرأة تماثله في الذّكاء ليتزوّجها. في طريقه، التقى رجلاً ورافقه. خلال الرّحلة، طرح “شنّ” أسئلة غامضة، مثل: “أتحملني أم أحملك؟”، “أترى هذا الزرع قد أكل أم لا؟”، و”أترى صاحب النّعش حيًّا أم ميتًا؟”. فاستغرب الرّجل من هذه الأسئلة واعتبرها سخيفة.

وعند وصولهما للقرية، أصرّ الرّجل أن يستضيف “شنّ” في منزله، وحكى لابنته “طبقة” عن الأسئلة، ففسّرتها بذكاء. حينها أدرك “شنّ” أنّ “طبقة” هي من أجابت على أسئلته، فأعجب بعقلها وطلب الزّواج منها. وافق والدها وزوّجه إيّاها؛ لذا، قيل: “وافق شنّ طبقة” للدّلالة على التّوافق بين الذّكيّين.

اللّغة العربيّة في وسائل الاتّصال

وفي مقال “اللّغة العربيّة في وسائل الاتّصال الحديثة”، أكّد الدّكتور محمّد مرشحة، أنّ اللّغة القويّة هي تلك التي تميل إلى الآخر فتفيد منه وتؤثّر فيه في آن، لذلك فإنّ الأمّة الحيّة هي المتفاعلة مع غيرها من الأمم، وليست المنفعلة على نفسها، والحذرة من الآخر، وعليه فلا شكّ أنّ لوسائل الإعلام المسؤولية المضاعفة في تطوير اللّغة العربيّة وتمكينها وتنقيتها من الشّوائب.

كما تناولت مجلّة مجمع اللّغة العربيّة بالشّارقة في عددها الأخير مجموعة من الموضوعات المتنوّعة والمهمّة، منها مقال “عواطفنا وأحاسيسنا في الميزان” الذي يسلّط الضّوء على الاستعارة التّصوّريّة بوصفها إحدى الموازين البلاغيّة المستخدمة للتّعبير عن العواطف، و”تحقيقات في المعجم العربيّ”.

وتضمّنت مجلّة المجمع في عددها العاشر دراسة بعنوان “نبرة الاستعلاء على النّكبة في شعر عليّ بن الجهم”، تستعرض نماذج من شعر ابن الجهم، وسماتها الفنيّة والجماليّة. بالإضافة إلى ذلك، استعرضت المجلّة مقالًا حول الجذر “س ك ن” في المعجم التّاريخيّ.

ومن المواضيع الأخرى التي تناولتها المجلّة “الأبعاد التّعليميّة للمعجم التّاريخيّ”، والذي يبرز دور المعاجم في العمليّة التّعليميّة، إلى جانب دراسة عن “ابن سنان الخفاجيّ وكتابه “سرّ الفصاحة'”، بما يوفّر للقارئ فهمًا أعمق للّغة العربيّة وتطوّرها، ويعزّز تقديره للتّراث اللّغويّ والأدبيّ العربيّ.

-انتهى-