كتبت مكارم المختار
عندما يحضر الأبناء من مشاغلهم ينحنون نحو اليسار إلى الصالة بحثاً عن أبيهم، ولا ينحنون إلى اليمين حيث غرفتي او حتى إلى المطبخ بحثاً عنّي، رغم أن غرفتي مقابل المطبخ تماماً والمطبخ قبالة الصالة والغرفة،
لا أتوقّف كثيراً حول هذا «التطنيش»، حيث اني طيبة الخلق حنونة ولا امييز النيات بسيئاتها، ولا صادف ولو أحياناً ان أسمع أبيهم يقول لهم: « شفتتوا أمكم؟.. روحوا سلموا».. حتى ولو اكراما، ولا أجد بين هذا الطلب وتنفيذه يستغرق الأمر من ربع إلى نصف ساعة، ولا أتوقف كثيراً حول هذا «التطنيش» أيضاً ..
فالدنيا زحمة، والطرق المؤدية من المطبخ إلى الصالة او غرفتي تشهد ازدحاماً مرورياً كبيراً، وقد يستغرق منهم الوصول إليّ وقتاً أطول..
في نهاية المطاف يصلون نحوي فرادى و سلام وتحية باردة
الاسبوع الماضي، وفور وصول أحد أبنائي، خرجت بالصدفة من غرفتي فوجدته يقف في الصالة يهمّ بمناولة «السيد الوالد» شيئاً ما، وعندما رآني تراجع وأخفاه ليس خلف خلف ظهره بل بين يدي أبيه، فأكملت طريقي إلى مطبخي دون انتباه..
وعند العودة ضبطته وهو يضع أمام عينيه قارورة عطر فاخر قد اشتراه له او حصل عليه هدية قد لتفسه لكنه فضل اباه على ذاته، وعندما رآني قد يكون خجل مني ولم يعرف كيف يتدارك الموقف لكنه كان متبسم وأبيه فرحا… فرحا اكثر منه،
وصادف مرة اخرى، وكما يحصل ويحدث فينة وأخرى، أن يخرج من جيب بنطاله «الجينز» او من بين يديه «چكليته» كانت ملتصقة في قعر الجيب بالكاد أخرجها، وعليها بعض قطع الورق الملتصق بها محاولاً إهدائي إياها فشكرته، فهو أبني ومهما هي عطيته، فهي اغلى هدية منه عندي،
و دائما، اجهد نفسي ألا أتوقف كثيراً حول هذا «التمييز العنصري»، الأبنوي صحيح أن قارورة العطر التي اشتراها لأبيه راقية جداً، ونفسي بمثلها إلى هذه اللحظة، لكنني لا أنزعج من ميلهم كل الميل نحو أبيهم، فقط، لأني اراهم يجدون ابيهم بصورة او اخرى اضعف او اطيب مني 《 شخصية 》او انهم يرونه يستحق اكثر مني، و طامتي أننا، وانا شخصيا من بين اخوتي لم أكن مثلهم أبدا مع أيا من والدي، بل كنت أخاف وأخشى واتجنب امي رهبة واحتراما كما يليق بها وأكثر،
هنا، تستوقفني الحياة، وأدرك دوما بأن رغم كدّ الأم وانشغال الأب وتعب الأم وحنان الأم، إلا أن الجنوح قد يكون نحو الأب، وقد تكون هذه طبيعة فطرية لا نتحكّم فيها! لكنني لم ولم المسها في حياتي بين اهلي،
الغريب أن الأبناء لا يكتشفون حبّهم الجارف لآمهاتهم إلا متأخراً، إما بعد الرحيل، وإما بعد المرض وفقدان الشهية للحياة ..!!
وهذا(( حب متأخر)) كثيراً حسب توقيت الأمومة..
الآن كلما تهت في قرار، أو ضاقت عليّ الحياة، أو ترددت في حسم مسألة .. تنهّدت وقلت: « أين أنت يا أمي..
لو أعرف أن العمر قصير إلى هذا الحد، لكنت أكثر قرباً من امي
نحن نعرف قيمة الملح عندما نفقده في الطعام ، وقيمة الأم عندما تموت ويشغر مكان جلوسها في البيت ،،،،
إذ عندما تموت يفتقد الأبناء وجود تلك المجاهدة المثابرة الكادحة الشغولة بعائلتها في حياتها التي كان تقودهم بثبات إلى بر الأمان ،،،،،
مع ذلك فالأسرة كلها مع الأب في رحلة الحياة كراكبي قطار في سفر طويل،،،،
لايعرفون قيمة قائد القطار 《 قد تكون الام 》 إلا عندما يتعطل بهم ، ويبدأ القائد في التفاني لإصلاحه وإعادة تشغيله رغم ضخامته ،،،،،.
الأم وحدها هي التي لا تحسد ابنائها على موهبته وتفوقه، بل بتفوقه تتباهى وتفرح وتتفاخر ،،،،،،،،
والأم وحدها هي التي تتجاهل وتستغفل وتخفي أخطاء إبنائها، وتغفرها ،،،،، وتنساها،،،،،،
والأم وحدها هي التي تتمنى أن يكون ابنائها أفضل منها ومن أبيهم وحتى أهلها في حياتهم ،،،،،،،
قد تأنب الأم ابنها، والتأنيب مؤلم في حينه، لكنه دواء ناجع حلو المذاق بعد التعلم منه والتماثل للشفاء والاستقامة ،،،،
تأنيب الأم يصدر من جوار قلبها، حرصا وتعليما والتفاتة للأفضل لتجنب الضر والشر والأذى، لامن جدار قلبها،،،،، إذ تتألم حين تؤنب ابنائها.
قلب الأم هبة الله الرائعة لأبنائها،،،،،،،
أخيراً أقول:
الأم تحب من كل قلبها ،،،،
والأب يحب بكل قوته،،،،،،
(رب ارحمهما كما ربياني صغيرا).
واصلح لنا ذرياتنا ونياتنا… آمين يارب العالمين ……
مكارم المختار