وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: “النِّعَم ثَلَاثَة: نعْمَة حَاصِلَة يعلم بهَا العَبْد، ونعمة منتظرة يرجوها، ونِعْمَة هُوَ فِيهَا لَا يشْعر بهَا”.

[الفوائد (172)].

الشرحُ البَيِّنُ من كلام ابن القيم.

بقلم: عيسى بن محمد المَسْكَري


Sun, Feb 12 at 12:33 PM

استراتيجية ابن القيم (3))) 

وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: “النِّعَم ثَلَاثَة: نعْمَة حَاصِلَة يعلم بهَا العَبْد، ونعمة منتظرة يرجوها، ونِعْمَة هُوَ فِيهَا لَا يشْعر بهَا”.

[الفوائد (172)].

الشرحُ البَيِّنُ من كلام ابن القيم.

بقلم: عيسى بن محمد المَسْكَري

ينتقل ابن آدم من نعمة حاصلة إلى نعمة أخرى منتظرة، نعمة يحس بها، ونعمة يرجوها، ونعمة يترقبها، ونعمة لا يشعر بها قد تعوّد عليها أو هو في غَفلة عنها.

وقد تأتي هذه النعم بأشكال متنوعة، وأحجام متعددة، وألوان متباينة، وأعداد متزايدة، وأنواع مختلفة، وأطباق مزينة، وأخبار مفرحة.

نعمة تتبعها نعمة، نعمة قد تأتي قبل حينها، ونعمة لا تبخل عن خيراتها، ونعمة لا تتأخر عن موعدها، ونعمة من باطن الأرض تُخرج زخارفها، ونعمة من فوق السماء تُنزل بركاتها، ونعمة على الأغصان أينعت قد لا تجد من يقطف ثمارها.   

قال الله تعالى: “وإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ”.

[النحل (18)].

فما أجمل أن تقابل النعمة الحاصلة بالحمد إقراراً، وبالشكر اعترافاً حتى تقيدها ولا تفسدها.

الشكر يُخلف النِّعَم ويكثرها ويُعجل بالنِّعَم المترقبة، والمعصية تتلف النِّعَم الحاصلة وقد تزيلها أو تعرضها للزوال. 

فما جُلبت النعم المنتظرة بأفضل من طاعة الله، والعمل الصالح، وجميل الطلب، وحسن الظن بالله.

يقول أحد الشعراء:

إذا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا

فَإِنَّ المَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَم

وَدَاوِمْ عَلَيْهَا‏ بِشُكْرِ الإِلَه

فَإِنَّ الإِلَهَ سَرِيعُ النِّقَم

فإن كنت غافلاً عن النِّعَم الحاصلة، فقف مع نفسك محاسباً، عَدّد نعم الله عليك، تذكر قيمتها بالحمد، تحدث عنها بالشكر، لا تجهل فضلها لهواً، ولا تنس قدرها سهواً.

قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ”.

[سورة الأحزاب (9)].

قال الله تعالى: “وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ”.

[سورة الضحى (11)]. 

فاللهم لك الحمد على النِّعَم التي نحن فيها، نعترف بتقصيرنا تجاهها، ونستغفرك إن غفلنا عن شكرها.

قال وهب بن منبه رحمه الله: “رُؤوسُ النِّعَمِ ثَلَاثٌ، فَأَوَّلُهَا نِعْمَةُ الْإِسْلَامِ الَّتِي لَا تَتِمُّ نِعْمَةٌ إِلَّا بِهَا، وَالثَّانِيَةُ نِعْمَةُ الْعَافِيَةِ الَّتِي لَا تَطِيبُ الْحَيَاةُ إِلَّا بِهَا، وَالثَّالِثَةُ نِعْمَةُ الْغِنَى الَّتِي لَا يَتِمُّ الْعَيْشُ إِلَّا بِهَا”.

[عدة الصابرين (142)].

اللهم لك الحمد على النِّعَم التي لا تعد ولا تحصى، نِعَم من فوقنا تنزل، ونِعَم من تحتنا تخرج، نِعَم عن يميننا تسبقنا، ونِعَم من حولنا تحتوينا، نِعَم من قريب تفاجئنا، ونِعَم من بعيد تفرحنا. 

نِعَم تأتينا قبل أن نتحرك إليها، نِعَم من حلاوتها نتنافس في تذوقها، نِعَم من كثرتها نعجز أن نحصي عددها.

وقد أبدع أحد الشعراء بقوله:

لكَ الحمدُ حمداً نستلذُّ به ذكراً    

وإن كنتُ لا أحصي ثناءً ولا شكرا

لكَ الحمدُ حمداً طيباً يملأ السما

وأقطارها والأرضَ والبرَّ والبحرا

لكَ الحمدُ حمداً سرمدياً مباركاَ    

يقلُّ مدادُ البحرِ عنْ كتبهِ حصرا

فاللهم عجل لنا النِّعَم التي طال انتظارنا إليها، ونحن على يقين بأنها آتية لا محالة، فأنت الكريم المنعم الرزاق، تُكْرِم قبل أن نفكر في النعم الحاصلة، وتُنْعِم قبل أن نخطط للنعم المنتظرة، تجود بالعطايا قبل أن نسألك، وتكرم بالفضل قبل أن نرجوك أو نتوسل إليك.

اللهم لك الحمد، بسطت رزقنا، وأظهرت أمننا، وأحسنت معافاتنا، ومن كل ما سألناك من خير أعطيتنا.

قال الله تعالى: “وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ”.

[إبراهيم (34)].

قال أحد الشعراء:

إِذا كانَ شُكري نِعمَةَ الله نِعمَةً

عَلَيَّ لَهُ في مِثلِها يَجِبُ الشُكرُ

فَكَيفَ بلوغُ الشُكرِ إِلّا بِفَضلِهِ

وَإِن طالَتِ الأَيّامُ وَاِتَّصَلَ العُمرُ

إِذا مُسَّ بِالسَرّاءِ عَمَّ سُرورُها

وَإِن مُسَّ بِالضَرّاءِ أَعقَبَها الأَجرُ

وَما مِنهُما إِلا لَهُ فيهِ نِعمَةٌ

تَضيقُ بِها الأَوهامُ وَالبَرُّ وَالبَحرُ

اللهم لك الحمد على النعم الحاصلة، والنعم المُنْتَظَرة، والنعم التي لا نشعر بها، نِعَم من كثرتها عاجزون عن شكرها، نِعَم من عظمتها مقصرون تجاهها، نِعَم بعضها فوق بعض، نِعَم تحتاج منا إلى تذكرها، والإقرار بها، والتفكر فيها، والإحساس بقدرها