التجربة الإماراتية الرقمية نموذج رائد لحكومات المستقبل

الصورة:
  • دبي – نورا الأمير

تعد تجربة حكومة الإمارات الرقمية نموذجاً رائداً، إذ تسعى جاهدة إلى تحقيق رؤيتها في أن تصبح واحدة من أفضل دول العالم في هذا المجال، مرتكزة على توفير خدمات حكومية ذكية ومتكاملة، تلبي احتياجات وتوقعات الأفراد والمؤسسات

بكفاءة وفعالية، مع ضمان الأمان والخصوصية لبياناتهم.

وبرزت إمكانات الدولة وجاهزيتها خلال تداعيات الأزمة الصحية «كوفيد 19» التي اجتاحت العالم، وأجبرت السكان في مختلف الدول على التزام منازلهم، حيث تواصلت الحياة في دولة الإمارات، مثبتة جدارتها في استكمال السنة الدراسية ضمن «التعليم عن بعد»، فضلاً عن توفير كافة الخدمات الحكومية، من معاملات وإجراءات، وتقديم الرعاية الصحية وغيرها رقمياً، مؤكدة متانة وصلابة البنية الرقمية لديها.

ويمثل التحول الرقمي أحد أبرز المرتكزات لرؤية الدولة 2021 وأجندة 2071، وقد فرضت التجربة الإماراتية المتميزة في مجال التحول الرقمي نفسها على فعاليات القمة العالمية للحكومات 2024، التي تنظم تحت شعار «استشراف حكومات المستقبل».

وذلك بتخصيص محور مهم ضمن فعاليات القمة التي تجمع قادة الفكر والخبراء العالميين، وصناع القرار من جميع أنحاء العالم، للمشاركة والمساهمة في تطوير الأدوات والسياسات والنماذج التي تعتبر من ضروريات تشكيل الحكومات المستقبلية.

التنافسية العالمية

وأظهر تقرير التنافسية العالمية لعام 2023، توقعات إيجابية حول بقاء دولة الإمارات في مراكز متقدمة في عدة مؤشرات، تشمل الابتكار، البنية التحتية التكنولوجية، وجودة الخدمات الحكومية الرقمية، حيث تشير الإحصاءات والتقارير إلى تحسن مستمر في مرتبة الإمارات على مؤشر الابتكار والتنافسية، بفضل الاستثمارات الكبيرة في التكنولوجيا والتعليم والبنية التحتية الرقمية.

إذ وصلت وفقاً لمؤشرات التقرير إلى مصاف العشرة الكبار في تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية 2023، الصادر عن مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية في مدينة لوزان السويسرية.

وجاءت الإمارات ضمن الدول العشر الأولى عالمياً في مجال التنافسية، متصدرة العالم في محور التجارة العالمية، وفي عدة مؤشرات، مثل إدارة المدن والبنية التحتية للطاقة، وقدرة الحكومة على التكيف مع المتغيرات، وغياب البيروقراطية وغيرها، وجاء أداؤها الاقتصادي المتميز، ليضعها في المرتبة الرابعة عالمياً.

كما حلّت ضمن محور البنية التحتية في المرتبة الأولى عالمياً في مؤشرات قلة نسبة الإعالة، وانتقال طلبة التعليم العالي إلى داخل الدولة، وإدارة المدن، ونسبة مستخدمي الإنترنت، وجودة النقل الجوي، والبنية التحتية للطاقة، وحققت أحد المراكز الخمسة الأولى عالمياً في مؤشر البنية التحتية لتوزيع السلع والخدمات.

تطبيقات

وتبرز إنجازات الحكومة الرقمية جلية من خلال الخدمات الذكية التي قادت إلى توفير أكثر من 100 خدمة حكومية ذكية عبر منصات متعددة، تشمل التطبيقات الذكية والمواقع الإلكترونية، بالإضافة إلى التكامل الحكومي، وذلك بتحقيق درجة عالية من التكامل بين الهيئات والمؤسسات الحكومية المختلفة، لتسهيل تقديم الخدمات للمواطنين والمقيمين، علاوة على التحول نحو البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي باستخدام التقنيات المتقدمة، لتحليل البيانات واتخاذ القرارات الذكية.

وحافظت دولة الإمارات على المركز الأول عربياً، وقفزت إلى المركز 13 عالمياً في مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية 2022، الصادر عن الأمم المتحدة، وحققت بذلك قفزة كبيرة، تمثلت في 8 مراكز دفعة واحدة على المستوى العالمي، وصنّف التقرير الأممي الإمارات ضمن فئة مرتفع جداً، وهو أعلى تصنيف لتطور الحكومات الرقمية حول العالم.

وجاءت الدولة أيضاً في المركز الأول عالمياً بتحقيقها العلامة الكاملة 100 % في معياري «تقديم المحتوى»، و«البنية المؤسسية»، واللذان يعتبران من المؤشرات الفرعية لمؤشر الخدمات عبر الإنترنت، وقد سلّط تقرير تنمية الحكومة الإلكترونية 2022، الضوء على المساهمة المتزايدة للتحول الرقمي، والحكومة الرقمية في تسريع تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، والدور المهم الذي لعبته أدوات الحكومة الرقمية في مكافحة جائحة كوفيد.

وحلت إمارة دبي الخامسة عالمياً، والأولى عربياً، في مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية 2022، حيث تضمّن التقرير الأممي لدراسة المؤشر المحلي للخدمة عبر الإنترنت، تقييماً للحكومة الرقمية في المدن الرئيسة ضمن 193 دولة، ووفقاً لذلك، حصلت دبي على أعلى تصنيف ضمن مؤشر خدمات الحكومات المحلية عبر الإنترنت 2022. (LOSI).

كما حصلت دبي على المركز الأول عالمياً في المؤشرات الفرعية التالية لمؤشر الخدمات عبر الإنترنت، والتي تشمل معيار «الإطار المؤسسي»، ومعيار «تقديم المحتوى الرقمي»، ومعيار «تقديم الخدمات»، كما حازت على المركز الرابع عالمياً في معيار «التكنولوجيا». وبتتبع مسيرة الدولة وإنجازاتها.

فقد تصدرت الإمارات المنطقة في إدخال الأتمتة إلى أنظمتها الحكومية، حيث بدأت بتقديم بعض خدماتها الإلكترونية، مثل الدرهم الإلكتروني عام 2001، وأطلقت حكومتها الإلكترونية عام 2011، ثم الحكومة الذكية عام 2013، وصولاً إلى الحكومة الرقمية، التي نشهدها الآن ضمن الثورة الصناعية الرابعة، التي تعتمد بشكل جوهري على الثورة الرقمية، وتكنولوجيا المعلومات.

وكانت أولى خطوات الإمارات في التحول إلى نظام المدن الذكية، إطلاق استراتيجية الحكومة الرقمية لدولة الإمارات 2025، بهدف إنشاء التزام حكومي واسع، عبر كافة القطاعات، لتضمين الجوانب الرقمية في كافة الاستراتيجيات الحكومية.

استراتيجية وطنية

وضمت الاستراتيجية الوطنية للحكومة الرقمية لدولة الإمارات 8 أبعاد، تشمل عدم ترك أحد يتخلف عن الركب، وفق مفهوم تعزيز الشمولية، والمرونة القابلة للتكيف، والتناسب مع العصر الرقمي، والتركيز على احتياجات المستخدم، والرقمية حسب التصميم، بالإضافة إلى قطاع عام يعتمد على البيانات، مع تعزيز مبدأ الحكومة المفتوحة، علاوة على الاستباقية.

فيما يتمثل الهدف الرئيس لاستراتيجية الحكومة الرقمية لدولة الإمارات، في إنشاء التزام حكومي واسع عبر القطاعات، لتضمين الجوانب الرقمية في كافة الاستراتيجيات الحكومية، لجعل حكومة الإمارات «رقمية من حيث التصميم»، وأن يتم دمج كافة القدرات، والبنى، والفرص على المستوى الوطني، وضمان مواءمتها مع الرؤية الاستراتيجية للحكومة الرقمية.

أولويات

وتتبنى الاستراتيجية حزمة من الأولويات الهادفة إلى توفير بنية تحتية رقمية عالمية المستوى، وتوفير منصة رقمية موحدة، وممكنات رقمية مشتركة، وخدمات رقمية متكاملة وسهلة وسريعة، ومصممة وفقاً لاحتياجات العملاء، ورفع مستوى القدرات والمهارات الرقمية، وجاهزية التشريعات، لضمان تحول رقمي مرن وشامل، ورفع كفاءة العمل الحكومي.

وحرصت الدولة على التوسع والاستثمار في قطاعات المستقبل القائمة على المعرفة والابتكار، باعتبارها إحدى الركائز الأساسية الداعمة للنموذج الاقتصادي الجديد للدولة خلال الخمسين عاماً المقبلة، وفي هذا الإطار، أطلقت وزارة الاقتصاد خطتها الاستراتيجية للتحول الرقمي 2023- 2026، والهادفة إلى تمكين ممكنات وتقنيات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والبلوك تشين.

في كافة خدماتها ومشروعاتها المقدمة للمتعاملين من الأفراد والشركات والجهات الحكومية، بما يتماشى مع أفضل الممارسات المتبعة في هذا الصدد عالمياً، لتعزيز التنافسية الرقمية للدولة، من خلال توفير بيانات دقيقة وشاملة وفورية عن المنشآت والمؤسسات الاقتصادية، وتسهيل ممارسة الأعمال والأنشطة التجارية.

وتقديم خدمات جديدة مبتكرة واستباقية، اعتماداً على أحدث التقنيات الذكية، بما يدعم زيادة مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي للدولة، وبما يعزز مكانتها الريادية في المؤشرات التنافسية العالمية، في ضوء مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للحكومة الرقمية لدولة الإمارات 2025.

ويمثل مشروع تطوير السجل الاقتصادي الوطني الذي تنفذه وزارة الاقتصاد، بالتعاون مع الجهات الاتحادية والمحلية المعنية، أحد أهم المشاريع الوطنية التحولية الرقمية الداعمة لتطوير خدمات تشاركية ذكية لمجتمع الأعمال في الدولة، حيث يلعب هذا المشروع دوراً بارزاً في دعم التحول الرقمي للدولة، وتعزيز المنظومة الاقتصادية، لتصبح أكثر تنافسية وتكاملاً، من خلال بناء قاعدة بيانات متكاملة للشركات المسجلة في الدولة، وفق أفضل الممارسات المتبعة عالمياً، إضافة إلى تطوير السياسات الاقتصادية القطاعية القائمة على بيانات شاملة ودقيقة ومستمرة.

بدورها، طورت وزارة الموارد البشرية والتوطين، استراتيجية للتحول الرقمي، مبنية على عدد من المحاور، تستهدف تقديم خدمات ذات قيمة مضافة للمتعاملين، تتناسب مع تطلعاتهم واحتياجاتهم، من خلال الربط الإلكتروني مع أكثر من 50 جهة محلية واتحادية، وخاصة لتقديم أفضل الخدمات للمتعاملين.

خطة متكاملة

وأطلق مصرف الإمارات المركزي، برنامج تحوّل البنية التحتية المالية لدعم قطاع الخدمات المالية، وتعزيز التعاملات الرقمية، ورفع تنافسية دولة الإمارات، وشمل البرنامج تنفيذ مجموعة من المبادرات الرئيسة، مثل إطلاق منظومة محلية لبطاقات الدفع، ومنصة للمدفوعات الفورية، وإصدار عملة رقمية للمصرف المركزي للاستخدامات عبر الحدود وللاستخدامات المحلية.

فضلاً عن دمج البنى التحتية للمدفوعات مع الترميز الرقمي. كما أتاح إصدار أول هوية وطنية رقميـة للمواطنين والمقيمين والزوار، بالوصـول إلـــى خدمـــات الجهـــات الحكوميـــة المحليـــة والاتحاديـــة، ومـــزودي الخدمـــات الآخرين، وقدمت حلولاً رائدة للدخـــول إلـــى الخدمـــات عبـــر الهواتـــف الذكيـــة، دون الحاجـــة إلـــى كلمـــة ســـر أو اسـم مسـتخدم.

فضـلاً عـن إمكانيـة التوقيـع علـى المســـتندات رقميـــاً، والتحقـــق مـــن صحتهـــا دون الحاجـــة لزيـــارة مراكـــز الخدمـــة، حتى تجاوز عدد مستخدمي منظومة الهوية الرقمية التي توفر حالياً الدخول الآمن لأكثر من 12 ألف خدمة على مستوى الدولة، على 6.6 ملايين مستخدم، ومبادرة استراتيجية دبي للمعاملات اللاورقية، والتي استهدفت الاستغناء عن الورق في المعاملات الحكومية، وتمكنت من إزالة 325 مليون ورقة، وتوفير ما يصل إلى 900 مليون درهم.

لجنة عليا

وشهدت مسيرة التحول الرقمي، اعتماد مجلس الوزراء، برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، تشكيل اللجنة العليا للتحول الرقمي الحكومي، وينصب دورها في الإشراف والتوجيه في ما يتعلق بتطوير المنظومة الرقمية للحكومة الاتحادية.

وتعزيز الجاهزية والتنافسية والمرونة والمواءمة الرقمية بين المشاريع والأنظمة الرقمية في الجهات الاتحادية الحكومية، ورفع كفاءة استخدامها للبنية التحتية والأصول الرقمية، بالإضافة إلى تنسيق الجهود، وتعزيز التكامل بين الجهات والمؤسسات الحكومية لتسريع وتعظيم أثر التحول الرقمي الشامل.

وتعمل اللجنة ضمن مهامها على اعتماد الأولويات الاستراتيجية والمستهدفات، لتطوير المنظومة الرقمية والتحول الرقمي للخدمات والعمليات والأعمال الحكومية في حكومة دولة الإمارات، إلى جانب إعداد سياسات ومعايير التحول الرقمي الشامل للحكومة الاتحادية، ومراجعة ومتابعة ومواءمة ما يلزم من استراتيجيات وسياسات وبرامج ومبادرات التحول الرقمي ذات الأولوية.

وإصدار ضوابط إرشادية بالمشاريع الاستراتيجية ذات الصلة برقمنة الخدمات والأعمال والعمليات الحكومية، وحوكمة أوجه الصرف والاستثمار في المشاريع الرقمية في الحكومة الاتحادية، بما يسهم في تعزيز الكفاءة الحكومية.

وتتوافق الاستراتيجية الوطنية للحكومة الرقمية، مع استراتيجيات التنمية للحكومات المحلية، ومن بينها استراتيجية أبوظبي للتحول الرقمي، التي تهدف إلى جعل الإمارة محركاً رئيساً لمستقبلها الرقمي، وتتمحور أولويات هيئة أبوظبي الرقمية حول الخدمات المتكاملة، وتعزيز الابتكار والحلول الحكومية، والبيانات والتقنيات التطبيقية والحوكمة، وتمكين النظام الرقمي المتكامل.

استراتيجية

وعلى ذات النهج، جاء إطلاق سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي، رئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي «استراتيجية دبي الرقمية»، ترجمة لرؤية القيادة الرشيدة بجعل دبي نموذجاً عالمياً للتحول الرقمي، حيث تقوم الاستراتيجية على رقمنة الحياة في دبي.

والعمل على منظومة رقمية موثوقة وقوية، تعزز الاقتصاد الرقمي، وتمكّن المجتمع الرقمي، من خلال الاستناد إلى سبعة محاور، تشمل كلاً من المدينة الرقمية، والاقتصاد الرقمي، والبيانات والإحصاء، والمواهب الرقمية، والبنية التحتية الرقمية، والأمن السيبراني، والتنافسية الرقمية.

وتهدف الاستراتيجية إلى مضاعفة مخرجات الاقتصاد الرقمي، وزيادة جودة الحياة بنسبة 90 %، وتحقيق المراكز الأولى في مؤشرات الأمم المتحدة للحكومة الرقمية، وإنجاز خمسين تجربة مدينة رقمية، تتسم بالسلاسة والترابط والاستباقية والتنبؤية والأثر المرتفع.

كما تهدف إلى تأهيل أكثر من 50,000 من الكوادر الحكومية بمؤهلات رقمية متقدمة، فيما تمثل مبادرة تطبيق دبي الآن، أحد أهم نماذج النجاح التكنولوجي في تطوير منظومة تقديم الخدمات والحياة بشكل عام في إمارة دبي، ويضم التطبيق خدمات ما يزيد على 35 جهة حالياً، يقوم بها أكثر من 1.2 مليون مستخدم.

كما تأتي مدينة دبي الذكية، ضمن خارطة الطريق، باعتبارها مشروعاً يستهدف جعل دبي المدينة الأذكى والأسعد عالمياً، من خلال استخدام التكنولوجيا في مختلف الخدمات والبنى التحتية، بالإضافة إلى الابتكار والتكنولوجيا، من خلال تأسيس مراكز للابتكار والإبداع في مختلف المجالات.

التحول الرقمي استراتيجية وطنية

يبرز التعليم والصحة الرقمية، ضمن أبرز وأهم مراحل مسيرة التحول الرقمي، من خلال توفير التعليم الإلكتروني، بتطوير منصات التعليم الإلكتروني، والفصول الدراسية الافتراضية لتعزيز التعليم المستمر، علاوة على الصحة الرقمية عبر استخدام التطبيقات الصحية والعيادات الافتراضية، لتقديم خدمات الرعاية الصحية عن بعد.

وإحاطة ذلك بالأمن السيبراني بتطوير استراتيجيات وبرامج متقدمة لحماية البيانات والبنى التحتية الرقمية من الهجمات السيبرانية.وتعكس هذه الملامح والإنجازات، التزام الإمارات بالتحول الرقمي، كاستراتيجية وطنية شاملة، ما يسهم في تحقيق تطلعاتها نحو بناء مستقبل مستدام ومزدهر، من خلال الابتكار والتكنولوجيا.