أي أثر لـ«المحترفات المسرحية» في الوطن العربي؟

ضمن فعاليات البرنامج الثقافي لأيام الشارقة المسرحية في دورتها ال 32، نظمتْ صباح يوم الأربعاء(15 مارس) في مقرّ إقامة الضيوف ندوة بعنوان “المحترفات المسرحية العربية.. تجارب وشهادات” سلطت الضوء على مفهوم الورش والمحترفات والمختبرات المسرحية التدريبية في الوطن العربي، التي تهدف إلى اكتشاف المواهب المسرحية وصقلها وتقديمها إلى المشهد المسرحي العربي، وذلك عبر حديث شيق لكلّ من الدكتور سمير عثمان الباش من سوريا، والأستاذ شادي هبر من لبنان، وقد أدار الندوة مهند كريم.

استهلّ كريم الجلسة بترحيبه بضيوف الندوة والأيام المسرحية من شتى ربوع الوطن العربي، وأثنى على تلك الجهود الكبيرة التي توليها إمارة الشارقة لخلق نهضة مسرحية عربية مميزة، وذلك بتوجيهات ودعم سخي من قبل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، راعي المسرح الأهم، والمهموم بقضاياه وراهنه ومستقبله، بعدها تحدث كريم عن بداياته المسرحية وكيف كان مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة بمثابة مختبر مسرحيّ في غاية الأهمية له ولأصدقائه ليتعلموا ويعلنوا عن أنفسهم مسرحيين بعد أن كانوا مجرد هواة في المسرح الجامعي، وتحدث عن دور مهرجانات المسرح العديدة التي تنطلق من الشارقة ودورها في تشكيل وعيه المسرحي هو ورفاقه، وطرح العديد من الأسئلة الهامة حول ما يمكن ان يقدمه المسرح للإنسان؟ وكيف يمكن أن تتطور الحركة المسرحية العربية؟ وغيرها من الأسئلة.

استهلّ الدكتور سمير عثمان الباش حديثه بشكر الحضور والقائمين على المهرجان على جهودهم الكبيرة، ثم تحدث سريعاً عن بداياته في عوالم المسرح كممثلٍ، ثم سفره لروسيا ليتعلم الإخراج المسرحي، ويتخصص هناك لتدريب الممثل، ويقول الباش: “كان همي الأكبر تطوير أداء الممثل والاستفادة القصوى من طاقاته، وأن الأداء يخرج من صلب الفكرة” وبعد أن قضى الباش 17 عاماً في موسكو عاد إلى سوريا وعمل في المعهد العالي للفنون المسرحية وفي جعبته حلماً وهماً واحداً، وهو إنشاء محترف ومختبر مسرحي يحقق فيه ما يحلم به، وبالفعل أسس الباش مدرسة الفن المسرحي بدمشق، وبالفعل أسس الباش في عام 2009 مدرسة الفن المسرحي كمحترفٍ تدرّس فيها النظريات المختلفة، وتنتج عروضاً مسرحيةً للجمهور في وقتٍ كان المسرحالسوري في حاجة لتيارات مسرحية، وخصوصا أن المعهد العالي للفنون المسرحية بسوريا لم يكن يستطيع يستوعب الأعداد الكبيرة لعشاق المسرح، لذلك أنشئت مدرسة الفن المسرحي لتلبي هذه الحاجة ولتتيح الفرصة أمام من لم يجد فرصة في المعهد وغيرها، وقد ضمت مدرسة الفن العديد من الخبراء المسرحيين من سوريا، وقدمت بعد مضي أربعة أشهر عرضاً مسرحيا، وبعد ثلاثة أشهر أخرى قدمت عرضا للأطفال، وحضر العرض آلاف الأطفال، ثم بعدها قدمت مدرسة الفن المسرحي الكثير من المسرحيات الأخرى على مسرح قلعة دمشق، وقد قدمت مدرسة الفن المسرحي أعمالاً كثيرة، أشرف عليها مسرحيون كبار في سوريا.

وتحدث الباش عن أن الدراسة في المدرسة عبارة عن عامين فقط وليس أربعة كما في المعهد، وتطرق إلى ما سببته الحرب والأوضاع القاسية في سوريا على مدرسة الفن المسرحي، وكيف انتقلوا بعد سنتين من الحرب ليكملوا عملهم في قبو بسيط في ريف دمشق، لكن رغم الظروف الصعبة استطاعت المدرسة أن تؤسس فرقة محترفة من خريجيها وصار للمدرسة جمهور عريض في دمشق ليشمل عدة محافظات، وقد استطاعت المدرسة من خلال تاريخها القصير ان تؤهل حوالي 70 ممثلا محترفاً، ولديها الآن 32 طالبا يتابعون دراستهم. وأنهى الباش حديثه بتوضيح أن مدرسة الفن المسرحي بدمشق ليست مختبراً بالمعنى الحرفي لكلمة مختبر، لأنه يرى أن المختبر يحتاج أموراً كثيرة ليكون مختبراً، أهمها التفرغ والتمويل الكامل من الدولة، والعديد من الامور الهامة.

من جانبه استهل الأستاذ شادي هبر حديثه بعرض مقطع مصور مدته دقيقة ونصف يستعرض فيه العديد من المسرحيات التي أنتجها مسرح “شغل بيت” في بيروت، الذي يعتبر أحد المحترفات الهامة في بيروت، والذي انطلق في عام 2016م، والذي قال عنه هبر: “منذ طفولتي ويشغلني حلمٌ بإنشاء مكان خاص أؤسس فيه مسرحاً حراً طليقاً، قائماً على العديد من الأفكار والأيديولجيات والكثير من الجماليات” وقد تحدث هبر عن دراسته وتعمقه في المسرح وبدايته كمخرج مسرحي في عام في 2014، وتحديداً عند بلوغه سن الأربعين قرر فتح فضاء مسرحي، أطلق عليه “مسرح شغل بيت” وهو عبارة عن شقةٍ بسيطة في أحد أحياء بيروت حولت لمسرحٍ، ويصرح هبر: “أنها تشبه مسرح الغرفة”.

ومنذ التأسيس وثمة همٌّ واحد لدى هبر وهو أن يفتح المجال أمام العديد من الأشخاص الذين يعشقون المسرح، وكان شرطه الوحيد أن يكون المشارك عاشقاً للمسرح وعمره عمره 18 وما فوق، وقد كانت الانطلاقة الحقيقية كما أوضحنا في عام 2016 مع تشكيل أول مجموعة لشغل بيت، والآن توجد 22 مجموعة مسرحية في شغل بيت، ويقدم شغل بيت العديد من الورشات التدريبية للممثليكون الاعتماد فيها على المناهج الحديثة، ويكون هناك العديد منالورش للإخراج وللعمل على النص، ويتحدث هبر أنهم  في “شغل بيت” يعملون على الاكتشاف، اكتشاف الذات وكيفية التعبير عنها مسرحيا، وذلك يحدث في “شغل بيت” عبر عدة مستويات، فكل شخص ينتهي من مستوى ينتقل لمستوى آخر، إلى أن يتخرج، وغالباً بعد المستوى الثاني ينضمّ المشاركون لفرقة شغل بيت، بعد أن يكونوا قد تأهلوا لذلك، ويشارك في شغل بيت العديد من الخبراء، وقد أنتج شغل بيت 19 مسرحية في المستوى الأول، ودلل هبر بمسرحية (عزيزتي ألفت)، وألفت التحقت في 2018 بشغل بيت، وتابعت في المستوى الاول والثاني واصقلت موهبتها، وبعدها ظهرت على المسرح في 2021 بمسرحية من تأليفها وإخراجي وهي مسرحية (عزيزتي ألفت)،

وسلط الضوء هبر في نهاية حديثه لما قدمه مسرح “شغل بيت” من أعمالٍ للأطفال والمراهقين، وهي مواضيع ذات طابع توعوي، مثل (صحتك مع كرز)، و(قصتي)، و(أونلاين)، وقد قدم شغل بيت العديد من فرص العمل أمام الكثير من الأشخاص وأكد هبر أننا في الوطن العربي بحاجةٍ لهذه المحترفات لنشر ثقافة المسرح خصوصاً، والثقافة عموماً، وفي الوقت الحاضر المسرح في لبنان بوجه أخص بحاجة إلى هذه المحترفات، للغوص في ذات الإنسان وفهمها وتطويرها.

بعد أن أنهى الأستاذ شادي هبر حديثه تم فتح باب الأسئلة أمام جمهور الندوة من النقاد والمهتمين والمشتغلين في المسرح، وقد دار جدل خلاق بين الحضور وضيفيْ الندوة حول العديد من الإشكاليات والقضايا التي يجب بحثها من أجل الحديث عن محترفات ومختبرات مسرحية بالمعنى الحرفي لهذه المفردة، وكيف يمكن أن تساهم هذه المختبرات في تخريج أجيال من المسرحيين الحقيقيين، وقد تحدث الجمهور في عدة نقاط أهمها تحديد ماهية مصطلح المختبر والمحترف المسرحي، وهل المختبر مجرد مكان تُنتج فيه العروض المسرحية، أم المختبر المسرحي فضاء ذو طابع تعليمي ونقدي وليس مجرد ورشة لتأهيل الممثل وإنتاج عروض مسرحية، من الأمور الأخرى التي تطرق الجمهور لها فكرة الاختلاف بين مسرح الهواة وما يتم ويقدم في المختبرات المسرحية، وقد أجمع الجمهور على حقيقة مطلقة واحدة، وهي أن كل عمل مسرحي حرّ هو مختبر في حد ذاته.

في نهاية الندوة كرمتأمل الحمادي، من اللجنة المنظمة لـ”الأيام”، المشاركين الثلاثة في الندوة.

لقد فاتك قراءة