الندوة الدولية الرابعة لمجلة “كتاب” تطل على حدائق الشعر الأندلسي

أكد أكاديميون وباحثون أن الشعر الأندلسي أسهم في تعريف العالم على ثراء التراث الشعري العربي وشكل نموذجاً ملموساً لتأثير القصيدة العربية على الإرث الشعري في شبه الجزيرة الإيبيرية وأوروبا والعالم، سواء من خلال تنوع مضامينها بين الجانب الغنائي، والتأمل الفلسفي، والجانب العمراني والاجتماعي وحتى السياسي، أو بجمالياتها اللغوية وحداثتها الأدبية ورمزيتها العميقة، إذ فتح التراث الشعري الأندلسي الباب واسعاً أمام حركات الاستشراق، والاستعراب الإسباني المعني بدراسة العربية الإسبانية، وحركة الترجمة والتعريب ودراسات الأدب المقارن.

جاء ذلك خلال الندوة الدولية الرابعة لمجلة “كتاب” التي تنظمها “هيئة الشارقة للكتاب” هذا العام تحت عنوان “تأليف الحديقة .. قراءات في القصيدة الأندلسية وتحولات الأثر”، ضمن البرنامج الثقافي للدورة الـ 44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب.

وشارك في الندوة، التي أقيمت على مدار يومين، وأدارها الشاعر علي العامري، مدير تحرير مجلة (كتاب)، نخبة من الأكاديميين، والباحثين، العرب والأجانب، حيث قدموا أوراقاً بحثية ودراسات معمقة لأبعاد تاريخ الشعر الأندلسي، جُمعت وصدرت في كتاب حمل عنوان الندوة.

وفي اليوم الأول، استضافت الندوة الدكتور صلاح جرار، أستاذ الأدب الأندلسي واللغة العربية وآدابها، الدكتورة فكتوريا خريش رويث ثوريلا، أستاذة اللغة العربية وآدابها في جامعة كومبلوتنسي في مدريد، الدكتور محمد حقي سوتشين، أستاذ اللغة العربية وآدابها في جامعة غازي في أنقرة، والدكتورة حورية الخمليشي، أستاذة في جامعة محمد الخامس بالرباط.

واستكملت الندوة برنامج اليوم الثاني مع الأستاذة باهرة عبداللطيف ياسين، أستاذة الترجمة والأدب الإسباني، الشاعر والباحث زهير أبو شايب، الدكتورة لوث غوميث، أستاذة تاريخ الفكر الإسلامي في جامعة مدريد المستقلة، والشاعر والباحث في تاريخ اللغات واللهجات العربية القديمة يوسف المحمود.

استهل الدكتور صلاح جرار فعاليات اليوم الأول من الندوة الدولية باستعراض أبرز ما جاء في دراسته “التواشج بين الطبيعة والمرأة في الشعر الأندلسي”، موضحاً عمق العلاقة بين المرأة والطبيعة في هذا الشعر، وتشاركهما في الجمال والجاذبية والتنوع، وأشار إلى أن هذه الخصائص تكشف سر التواشج بينهما في رؤية الشاعر الأندلسي، وتوضّح سبب اقتران الغزل الأندلسي باستحضار جماليات الطبيعة، بوصفهما رمزاً للحياة والجمال والخصب والنقاء والعطاء.

وأشارت الدكتورة فكتوريا خريش رويث ثوريلا إلى أن ورقتها البحثية التي تحمل عنوان “من غرناطة إلى فلسطين.. الأندلس في الأدب العربي المعاصر” تستكشف صورة الأندلس في الأدب العربي الحديث والمعاصر بوصفها مكاناً للذاكرة، وصورة للفقد الجماعي وفضاء للحنين، ورمزاً للمنفى والشتات والمقاومة، وتوقفت ثوريلا عند الصورة المجازية والرمزية للأندلس كواحدة من أكثر الاستعارات حضوراً في الحداثة العربية، واستحضاراً للذاكرة في الأدب العربي في القرن العشرين.

من جهته، طرح الدكتور محمد حقي سوتشين أبرز ما جاء في دراسته التي جاءت بعنوان “الحداثة المبكرة في الشعر الأندلسي”، مؤكداً أن الشعر الأندلسي تميز بأشكال وأساليب وصور جديدة سواء في الشكل الشعري كالموشح والزجل، أو في موضوعات الحب والطبيعة والمدينة، أو حتى في أساليب التناص والسخرية والتعدد اللغوي، وأعاد سوتشين سبب هذا التنوع إلى الفضاء الحضاري التفاعلي، والتداخل الثقافي والاجتماعي والديني، والأوروبيين والعرب والأمازيغ في الأندلس. وتطرق سوتشين إلى السياقات الاجتماعية والثقافية والسياسية، والمنظور المقارن بين التجربة الأندلسية والحداثة الشعرية، وأوجه الشبه والاختلاف بين نصوص عدد من شعراء الأندلس.

واختتمت الدكتورة حورية الخمليشي برنامج اليوم الأول من الندوة الدولية الرابعة بعرض موضوع ورقتها التي جاءت بعنوان “البحث عن الجنة.. أنسنة الطبيعة والانفتاح على الفنون في القصيدة الأندلسية”، وسلطت فيها الضوء على روح التسامح والتمازج الثقافي والحضاري في الأندلس علماً وفلسفة وعمارة وشعراً وموسيقى. وأكدت الخمليشي أن هذا الانفتاح الثقافي أسهم في تحويل الطبيعة في الأندلس إلى مسرح للحب وملاذ للروح وشاهد على فرحة الانتصار وحزن الانكسار، مشيرة إلى أن هذا التحول يتجلى في القصيدة الأندلسية، التي جمعت بين البعد الجمالي والفكري والصوفي والفني، وانفتحت على فنون العمارة والموسيقى والغناء. 

واستكملت الندوة الدولية يومها الثاني باستضافة الأستاذة باهرة عبد اللطيف ياسين التي تتبعت تأثير الحضارة الإسلامية الأندلسية على الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس في دراستها “بورخيس والأندلس.. قراءة في قصيدة الحمراء”، وأكدت أن الشاعر بورخيس استحضر الأندلس في أشعاره ونصوصه النثرية بوصفها فضاء للحلم والذاكرة، وتعامل مع قصر الحمراء كرمز لجمالية الحواس والغياب، لا سيما في قصيدة “الحمراء”، واختتمت الأستاذة باهرة مداخلتها بإلقاء مقتطفات من هذه القصيدة مع بيان وظيفتها الجمالية والفكرية والرمزية. 

من جانبه، بين الأستاذ زهير أبو شايب، أن دراسته “شاعرات بلا شعر.. حول قصيدة المرأة في الأندلس” تبحث في مفارقة بروز عدد كبير من الشاعرات في الأندلس لم يوجد له مثيل في عصور الحضارة الإسلامية ولا غيرها من الحضارات العالمية، وغياب أشعارهن التي وصلت إلينا. وتوقف أبو شايب على أمثلة من هؤلاء الشاعرات، مثل اعتماد الرميكية، جارية رميك بن حجّاج، التي أحبها المعتمد بن عبّاد؛ أمير إشبيلية، فتزوجها وغيّر اسمه من المؤيد بالله، إلى المعتمد على الله تيمناً باسمها، بالإضافة إلى الشاعرة ولادة بنت المستكفي، التي أصبحت رمزاً إنسانياً للحب ونموذجاً نسوياً مبكراً في الثقافة العربية، وغيرهن. وشدد أبو شايب على أن شعر المرأة الأندلسية يحتاج إلى جمع وتحرير من سطوة الحكايات التي نسجت حوله.

By Sahar Hamza

أديبة وكاتبة قصص أطفال ومؤلفة كتب متنوعة بحثية ودراسية ذات موضوعات اجتماعية ومؤلفة سلسلة روايات حكايات امرأة صدر للكاتبة سحر حمزة خمسة دواوين شعر منها رسائل للقمر وصباح الخير يا وطن وقصائد للنساء فقط أوتار قلب وصباح الخير يا غزة وفازت روايتها سيدة الليلك كأفضل رواية صدرت عام 2009 حول المرأة ولديها كتب قيد الإصدار منها الرجل العجيب ودفن حيا وعلى أعتاب النهر الخالد

لقد فاتك قراءة