اثنا عشر عاماً مرت منذ الانطلاقة الأولى لمهرجان السمحة التراثي، مثلت رحلة انطلقت مع ضربة البداية عام 2010 برعاية المغفور له الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان “طيّب الله ثراه”، لتتواصل تلك الرحلة عاماً بعد عام، مرسخاً أقدامه كمناسبة سنوية تهفو إليها الأنفس، وتعمل على صقل التراث وحفظه ونشره في قالب احتفالي بهيج، وهو يمتح من أصالة «السمحة»، وتفردها الحضاري والثقافي الكبير، حتى أصبح المهرجان نفسه انعكاساً لهذا التميز بما يقدمه في كل نسخة من ضروب التوعية والترفيه والتعريف بالتراث الإماراتي بطرق مبتكرة ومحفزة للأجيال الشابة.
في هذه الجولة، نتعرف على مهرجان السمحة التراثي، ونقترب مما يقدمه لجمهوره ومرتاديه.
70 دكاناً في السوق الشعبي للمهرجان
يشكل السوق الشعبي في مهرجان السمحة التراثي لوحة تراثية معبرة كونه يحتوي على 70 دكاناً تراثياً، وتتنوع معروضات السوق حيث تتمحور في الدخون والعطور والأكسسوارات التراثية، والمنتجات المصنوعة من الخوص، فضلاً عن الملابس التراثية للرجال والنساء والأطفال، كما تعرض أيضاً العديد من الدكاكين الأطعمة الشعبية المعروفة في الدولة.
ويستقطب السوق الذي يُشارك فيه عدد من الجهات الخاصة والحكومية والسيدات من الأسر المنتجة السياح والزوار بهدف الاطلاع على عراقة التقاليد والتراث الشعبي والصناعات اليدوية الإماراتية.
وقالت منى الملا رئيسة لجنة تسجيل الأسر المنتجة في المهرجان ان اللجنة المنظمة للمهرجان عملت على زيادة عدد الدكاكين في دورة هذا العام خصوصاً أن وجبات الطبخ الشعبي تستقطب الكثير من الزوار، الكبار والصغار، وهو ما يشكل لوناً من الحفاظ على الموروث الشعبي الأصيل، بالإضافة إلى منطقة الحرف التي تعتبر ملتقى لمهارات الحرفيات لإحياء الحرف التراثية والمحافظة عليها.
وأكدت الملا أن نادي تراث الإمارات يحرص على الاهتمام بالحرف والصناعات اليدوية والترويج لها بما يضمن بقاءها واستدامتها على المدى البعيد، بالإضافة الى تحفيز الأسر المنتجة على عرض مهاراتهم والإعتماد على النفس في كسب المال وتشجيع التجارة وصقل مواهبهم وإبداعاتهم.
مضيفة أن المهرجان يحمل رسالة التراث، ويحافظ على مفرداته، ويمنح الجيل الجديد فرصة للتعرف إلى حياة الماضي في ظل العادات والتقاليد، التي تميز الشخصية الإماراتية عبر التاريخ.
ركن المكشات يجذب زوار المهرجان
يشهد ركن المكشات إقبالاً كبيراً من زوار المهرجان بما يقدمه من برامج تجمع الكثير من العادات والتقاليد الاماراتية العريقة، إذ يشاهد الزوار تحضير القهوة والشاي وإعداد المأكولات الشعبية، ويتذوقون ما شاهدوه خلال زيارتهم، فضلاً عن مشاهدة العديد من الفقرات التي تٌقدم وسط أجواء تراثية مميزة.
وقال راشد القبيسي مسؤول ركن المكشات في المهرجان ان المكشات التي تأتي من كلمة “كشتة” في اللهجة الخليجية تعني قيام العائلة أو مجموعة من الأصدقاء بالذهاب والاتجاه نحو البرية أو الخلاء والصحراء، أو إلى إحدى المزارع للتنزه وقضاء الوقت بالأكل والراحة بعيدًا عن ضوضاء المدينة، والاستمتاع بالجو البارد.
واضاف تأسست فكرة تنظيم المكشات في عام 2016 بالاشتراك مع عدد من الشباب في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يعتمد الجميع على أنفسهم في إعداد الطعام وطهيه واستقبال الضيوف وإكرامهم؛ لذلك نحرص من خلال جناح المكشات على نقل تلك المعارف والعادات والتقاليد إلى الأجيال الحالية، وتعريفهم بهذا الموروث الأصيل الذي يتمتع به سكان منطقة الخليج.
وأشار القبيسي أن برنامج المكشات يضم العديد من الفقرات حيث يتم تنظيم مسابقات في الطبخ وإعداد القهوة العربية وحل الألغاز الشعبية وإلقاء القصيد بالإضافة إلى فقرات الفن الشعبي ورقصة اليولة.
واختتم القبيسي تصريحه بمقولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه «من ليس له ماضٍ، ليس له حاضر ولا مستقبل».
معرض التراث والأصالة
يضم مجموعة من الصور التي تُلقي الضوء على حياة وإرث وقيم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والمغفور له الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراه، وجهودهما في إبراز تراث الإمارات والحفاظ عليه.
ويضم المعرض أيضا ركناً بحرياً يهدف إلى تعريف الزوار بمفردات التراث البحري الإماراتي وبالمناخ الذي عاش فيه الآباء والأجداد من أهل البحر من خلال تقديم الشروحات والعروض الحية المتعلقة برحلات الصيد والغوص التقليدية، وما يلزمها من أدوات، إلى جانب تنفيذ عملية غزل الخيوط وصناعة شباك الصيد منها، وكيفية صناعة «القرقور»، إحدى أدوات صيد السمك المصنوعة من الأسلاك المعدنية، إضافة إلى عرض أدوات متنوعة يستخدمها أهل البحر في طرق صيدهم التقليدية، والبحارة في رحلات مراكبهم.
بيت الواحات وركن الإصدارات
يقدم بيت الواحات للزوار طيلة أيام المهرجان فرصة تعليم حية وتجربة للحرف اليدوية من خلال الورش اليومية، حيث مثلت ورش الحرف النسائية التراثية بؤرة جذب للعديد من زوار المهرجان للتعرف على أشغال السدو والتلي ومشغولات الخوص والغزل، وتجربتها بإشراف الحرفيات التابعات للنادي.
كما يحتوي ركن الإصدارات في المهرجان على باقة واسعة من العناوين التراثية التي يصدرها نادي تراث الإمارات، والكتب المحققة ودواوين الشعر النبطي، فضلاً عن الإصدارات الموسوعية، وأعداد مجلة «تراث».
وفود طلابية تزور المهرجان
أعدت اللجنة المنظمة للمهرجان برنامج زيارات بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم مُعد خصيصاً لطلبة المدارس في الفترة الصباحية، وذلك بغرض تعريف الطلاب إلى تراثهم وغرس احترامه والاهتمام به في نفوسهم، بما ينسجم مع رسالة نادي تراث الإمارات في نقل الموروث إلى النشء والحفاظ عليه وترسيخه نواةً للهوية الوطنية، حيث يشهد المهرجان حضور المئات من الطلاب والطالبات من مختلف المدارس، ويشمل برنامج الزيارات جولة في المهرجان يتعرف فيها الطلاب على العديد من الفعاليات والأنشطة التراثية منها ورش الحرف اليدوية، وورشة إعداد القهوة العربية، والصقارة، وورش متنوعة في التراث البحري لتعريفهم بطرق الصيد التقليدية والأدوات المستخدمة فيها، وطريقة فلق المحار واستخراج اللؤلؤ، ويشاهد الطلاب أيضاً النباتات الصحراوية ويتعرفوا على مسمياتها وفوائدها، بالإضافة لأنشطة الرسم والتلوين والاستمتاع بقضاء وقت جميل في ركن الألعاب الخاص بالأطفال.
جهات راعية وداعمة
يحظى المهرجان برعاية ودعم كبير من عدة جهات في الدولة والتي أبدت تجاوبها الكبير بدعمها ومساهمتها في تنظيم المهرجان سواء بالدعم المادي أو الدعم اللوجستي أو تقديم الجوائز والهدايا للجمهور أو من خلال المشاركة في فعاليات وأنشطة المهرجان. وشملت قائمة الجهات كل من مجموعة كيزاد، ووزارة التربية والتعليم، والقيادة العامة لشرطة أبوظبي، ودائرة البلديات والنقل، وهيئة أبوظبي للدفاع المدني، ومجلس السمحة، ومركز أبوظبي لإدارة النفايات “تدوير”، وشركة أحمد المغربي للعطور، وليان غاليري، والمملكة لصناعة الورق، والشهد للألعاب الترفيهية وشركة زهرة للعطور. كما يحظى المهرجان برعاية إعلامية من أبوظبي للإعلام، وجريدة الاتحاد، وإذاعة الأولى، وقناة بينونة.
وأشاد جاسم الحمادي رئيس فريق العلاقات العامة في المهرجان بالدور المهم الذي تضطلع به الجهات الداعمة والراعية من أجل المضي قدماً في طريق النجاح وخروج الحدث بالشكل الذي يليق به وبمكانته. وقال الحمادي ان المهرجان يقدم نموذج مميز للمشاركة المجتمعية والتعاون بين العديد من الجهات، مؤكدا أن الدعم الذي تقدمه هذه الجهات له أبلغ الأثر في تحقيق أهداف المهرجان في الحفاظ على التراث الإماراتي، والاحتفاء بثقافة الدولة وتقاليدها الأصيلة، بما يعكس الالتزامَ الراسخ للجميع في تجسيد ونشر الوعي بالتراث، ودعم الانتماء لهذا الوطن الغالي.