المقهى الثقافي يعقد جلسة توثق ملامح وتجارب من ابداعات التراث العربي

ضمن فعاليات أيام الشارقة التراثية التي يقيمها معهد الشارقة للتراث في المنطقة التراثية في ساحة التراث في الشارقة خلال الفترة من 1 إلى 22 مارس الجاري، نظم المقهى الثقافي في متحف بيت النابودة جلسة ثقافية بعنوان: إبداعات تراثية ملامح وتجارب، أدارها محمد حمدان من إدارة المحتوى والنشر بالمعهد وشارك فيها كل من الباحث الدكتور محمد الديباجي عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة في المغرب، ورئيس قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة الوصل سابقًا وعضو المجلس العلمي التابع لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والباحث والتربوي الإماراتي الدكتور سالم زايد الطنيجي، والباحث والأكاديمي أ. د. نزار غانم رئيس مجلس أمناء مؤسسة شركاء المستقبل للتنمية باليمن، وعضو الهيئة الأكاديمية بمدرسة الطب والعلوم الصحية ومدرسة الدراساتبجامعة الأحفاد للبنات في السودان.

شعر الملحون المغربي.. نافذة للتعبير عن المشاعر

استهل الدكتور محمد الديباجي محاور الجلسة بالحديث عن الأصالة والإبداع في شعر (الملحون) المغربي، والذي اعتبره المحاضر أحد أجمل وأجود أنواع الشعر المغربي، وهو يشبه إلى حد كبير الشعر الشعبي والنبطي في دول الخليج، وشعر الملزومة في تونس، وغيرها من أنواع الشعر الشعبي العربي،وقد بلغ غاية قصوى في السبك والروعة، وهو لا يتقيد بقواعد اللغة العربية والنحو ولا يركب أصحابه البحور الخليلية وإنما يطلقون لسانهم على سجيتهم ويلحنونه ويتغنون به.

واعتبر الديباجي فن الملحون الشعر الحقيقي الذي يمثل المغاربة في كل مجالات حياتهم، ويشكل ذائقتهمويعبر عن مشاعرهم وعواطفهم تجاه البيئة والبطولات والحب للوطن والاعتزاز بالحضارة، بكل حب وحرية وأريحية ورحابة.

بين الثابت والمتغير

من جهته، اعتبر الدكتور سالم الطنيجي في مقاربته لمفهومي التراث والإبداع، أن التراث هو المكون الثابت الذي يستوعب المكون المتغير وهو الإبداع بآثاره وتجلياته درجاته وأشكاله المختلفة.

وأوضح الطنيجي أن الإبداع تكمن أهميته في أنه يضيف قيمة جديدة للتراث من خلال تحقيق المزيد من الإبراز والانتشار للصناعات والمهن التقليدية وذلك من خلال أشكال جديدة وقوالب حديثة تحفز أفراد المجتمع على المحافظة على موروثهم التراثي من جهة، ويسهم في زيادة الدخل للأفراد والمجتمعات من جهة أخرى.

واستعرض المحاضر جوانب الإبداع الكامنة في الصناعات والمهن والحرف التقليدية القديمةوتنوع منتجاتها وتعدد ألوانها ووظائفها والتي تدل على أن الناس قديمًا كانوا يعملون ويصنعون وينتجون بناء على الفطرة دون الحاجة إلى تعليم منهجي أو تدريب خاص، وذكر في سبيل ذلك، حرفةالسفافة ومنتجاتها، ومهنة الحجامة وأدواتها، وصناعة بيوت الشعر وألوانها، وبيوت العريش بأشكالها، وحرفة صناعة التلي وتطريزاتها، وعمل المعقصة في المناسبات المختلفة.

من تجليات الموسيقى السودانية

وأما أ. د. نزار غانم فتحدث في ورقته حول المقامية العربية في الموروث الموسيقي السوداني، حيث تتميز السودان بوجود مقام السلم الخماسي الذي يشكل أعلى تجليات الإبداع الموسيقي هناك، ورغم ذلك ونتيجة لتشابك الجغرافيا العربية في كل مكان نجد أن القبائل التي هاجرت إلى أماكن معينة في السودان كقبائل البقارة والرشايدة ومجموعة السماكة وهي جماعة امتهنت صيد السمك، يتعاملون مع سلم المقام العربي سواء كان في شكله السباعي الكامل أو أقل من ذلك.

وقدمت الورقة تعقبًا تاريخيًا موجزًا في مسألة وجود هذه المقامات، ولكن لم يتم تحديد تصور واضح حول كيفية نشأة وظهور هذه المقامات قبل 500 سنة على الرغم من أن هجرات هذه القبائل تعود لأكثر من ذلك.

ورأى غانم أن الفلكلور الموجود لدى هذه المجامع الشعبية سواء في غرب السودان أو جنوبها بعيدًا عن العاصمة يحظى بالاهتمام والمحافظة من هذه القبائل من خلالالمقامية العربية الكامنة في رقصاتها الشعبية موجود فيها المقامية العربية، وتغنيها بهذه المقامة في فن السيرة خلال الحركة المصاحبة لمراسم الزفاف،وفن المردوم الذي يحاكي حركة الأبقار، وفن الجراري الذي يمتزج مع الحركة البطيئة للجمال.

وأشار المحاضر إلى أن الجيوب الثقافية العربية في النموذج السوداني تنتمي بشكل أو آخر إلى نظريات المقامات العربية الموسيقية وهي نظريات تشترك فيها الدول العربية جميعاً، حيث إن السلم الخماسي أحد مقامات الموسيقى العربية ونجده في موريتانيا وجيبوتي وأجزاء من اليمن وفي جنوب العراق ومصر وفي واحة غدامس في ليبيا،وبالتالي هو مقام يتعايش مع المقامات الأخرى.

ودعا المحاضر إلى الحد من التجديد الحاصل في هذه المقامية العربية في السودان والذي يكاد يعصف بالأصل، لأنه غير موثق ومؤرشف بدرجة كافية.

ورأى أن عناصر التراث الثقافي غير المادي في السودان لم تنل حقها في التسجيل في قوائم اليونسكو رغم أن السودان زاخرة بمثل هذه العناصر مثل الأهرامات القديمة والفنون الشعبية والمخطوطات التي لم تقرأ وتنتشر بما يكفي، معزيًا ذلك إلى عدم وجود الاستقرار الكافي في المجتمع وبما يتيح بروز هذه العناصر،في بيئة تسودها صناعات ذوقية وفنية.

ضمن فعاليات أيام الشارقة التراثية

القاسمية ترسو بزهو على ضفاف الشارقة وتحكي للضيوف قصة وطن

من بعيد تجتذبك أصوات البحارة وأهازيجهم التي تحث على الجد والإجتهاد، والترويح عن النفس، وعندما تذهب نحو جهة الصوت تطل عليك وقد رست على ضفاف خور الشارقة في الخان بطولها المتميز ومنظرها الخلاب، وهي تحاكي بلسان الحاضر قصة قديمة، تعود الى الجذور، وتروي بمحبة حكاية الإنسان الإماراتي والبحر، ذلك العشق الأزلي الممتد في أعماق التاريخ، إنها سفينة القاسمي، ومنها هذه الحكاية التي ترويها بنفسها يومياً لضيوف فعاليات أيام الشارقة التراثية في الشارقة.

فمن اسمها الجديد (القاسمية) نعرف انه اسم يعبر عن تقدير الشارقة لدورها، وقد أطلقه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الذي وجه بحفظ نماذج من السفن القديمة، وأمر ببناء هذه السفينة لتكون شاهدة حية للأجيال المقبلة عن الحياة التي عاشها أجداهم بفخر في سالف الأزمان.

كان اسمها (البغلة)، أو (أبغلة) بلهة البحارة، وهي واحدة من بين مئات السفن التي استخدمت ضمن قوة القواسم البحرية، وكانت تشكل قوة ضاربة في عملية فرض الحماية التي كان يقوم بها القواسم على حركة التجارة والنقل البحري والغوص على اللؤلؤ في الخليج العربي وبحر عمان والمحيط الهندي.

شاركت هذه السفينة في رحلات التجارة بين منطقة الخليج وسواحل الهند وافريقية، وتمكنت من كسب ثقة التجار بمساحاتها الكبيرة في التخزين ومقاومة مخاطر البحر المتنوعة، وحازت سمعة كبيرة في تجاوز أمواج المحيطات العاتية والوصول الى بر الأمان، بأشرعتها المتعددة، وتصميمها الإنسيابي البارز.

يتراوح طول (البغلة) قديماً بين 120-150 قدماً، وعرضها بين 20 – 30 قدماً، أما حمولتها فتراوح بين 120-400 طن، وتمتلك سطوحاً عدة، وثلاثة سوارٍ ويغطي قعرها رقائق من النحاس لحمايتها من التآكل، وقد قدمت مع القواسم خدماتها لكل مرتادي ومستخدمي البحار التي تقع تحت سيطرتهم، فوفرت لهم الامن والأمان في التنقل، وحافظت على اموالهم وارواحهم وتجارتهم.

تمتاز بمؤخرتها المربعة الشكل (الرقعة)، وشبابيكها الخمسة. وزينت بالنقوش المحفورة على جوانبها. ويظهر تحت الرقعة أسطوانة خشبية قوية تصل عجلة القيادة بالدفة مروراً بغرفة الدبوس، وهي الغرفة الموجودة تحت السطح الثانوي في مؤخرة السفينة. وتستخدم لتخزين الحاجيات المختلفة.

ولحبه الكبير للتراث، ولكل ما هو اصيل، ودعمه اللامحدود له، وجه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة ببناء هذه السفينة التي استغرقت صناعتها عاماً كاملاً على يد أمهر الصناع من الامارات وعمان والهند.

يبلغ طول سفينة القاسمية الجديدة 29 متراً، وعرضها 20 متراً، وارتفاع 5م، أما طول الأشرعة فيبلغ 9م، وقد استغرق انجاز السفينة عاما تقريبا باستخدام أنواع عدة من الاخشاب (الساج والسدر والكرط)، ونقشت في أعلى جهة الرقعة آية قرآنية تقول (بسم الله مجريها ومرساها).

سفينة (القاسمية) الشامخة، هي اليوم من ملكيات معهد الشارقة للتراث، لكن تراثها ملك لابناء الإمارات، وهم يروون عنها اليوم بكل فخر، حكاية وطن، وقصة شموخ، وسيرة قادة قدموا الغالي والنفيس من اجل الوطن، فصارت بلادهم اعجوبة الزمان.

خلال محاضرة أكاديمية قدمتها وفاء داغستاني

صون التراث التاريخي أحد ركائز المشروع الحضاري لإمارة الشارقة

ضمن سلسلة المحاضرات الأكاديمية في أيام الشارقة التراثية في دورتها العشرين، استضاف متحف بيت النابودة محاضرة للمهندسة وفاء داغستاني عضو هيئة التدريس في الإدارة الأكاديمية بمعهد الشارقة للتراث حول حفظ وصون المباني التراثية وتجربة إمارة الشارقة في هذا الجانب، وأدارتها الباحثة في التراث لطيفة المطروشي.

وأوضحت داغستاني أن الحفاظ على التراث الحضاري وخصوصًا المناطق التراثية مفهوم حديث ظهر في مدن أوروبا في منتصف القرن العشرين في مواجهة ظهور حركة الحداثة والتمدن وأثرها على تدمير النسيج العمراني والتاريخي الأصيل فيها وتغيير شكل المدن نتيجة تطور الصناعة وإنشاء المصانع في المدن القديمة وشق الطرق الواسعة وهدم المباني التاريخية وبناء أخرى حديثة بدلًا عنه، بالإضافة إلى هجرة أهل الريف للمدن واستقرارهم بالقرب من هذه المصانع.

تضمنت المحاضرة استعراض مفهوم التراث بنوعيه المادي وغير المادي، مع التركيز على التراث العمراني والمناطق التراثية، وتوضيح معنى الاستدامة والحفظ الحضري والمعماري ولا سيما في مجال استدامة المباني التراثية بإعادة تأهيلها وإعادة الاستخدام التكييفي والتطبيقي الصحيح لها، بهدف تمكينها من البقاء لأطول فترة زمنية ممكنة، وقيامها بوظائف جديدة تنسجم مع قيمتها الحضارية واستخدامها الأصلي والوضع التاريخي والتراثي والثقافي للمكان.

وأوردت داغستاني مظاهر وملامح زيادة الاهتمام بقضايا التراث في العصر الحالي نتيجة تنامي المشكلات التنظيمية داخل المناطق التاريخية وتدهور أوضاع المباني وحدوث نوع من التشويه البصري والاكتظاظ العمراني في هذه المناطق، وهو ما استوجب ارتفاع أصوات المختصين والمؤرخين والباحثين لوقف هذا الإضرار بالتراث.

وأكدت المحاضرة على ضرورة الالتزام بمجموعة من المعايير والمتطلبات في عمليات الترميم والحفظ مثل مشاركة المجتمع المحلي واستخدام أفضل آلية للحفظ الوقائي أو العلاجي للمباني التراثية واستدامتها، مستعرضة بعض الأمثلة والنماذج العالمية لعمليات ترميم وحفظ وحماية عدد من المباني والمعالم التاريخية وباستخدام أساليب حديثة، بعضها يتلاءم مع القيمة التاريخية لهذه المباني ويحافظ عليها، وبعضها الآخر جائر وغير مدروس يشوه تلك القيمة ويضر بها.

واختتمت داغستاني محاضرتها بالإشادة بمبادرات إعادة الاستخدام التكييفي والتطبيقي الصحيح في دولة الإمارات من خلال جهودها النوعية والرائدة في الحفاظ على الموروث الحضاري وجعله من أولوياتها الحالية والمستقبلية، واستعرضت حزمة من مشاريع إمارة الشارقة والتي تنفرد بمكانة تراثية وتاريخية وثقافية وفنية مميزة، وتحمل ثراءً معماريًا وثقافيًا جعلها الوجهة الأولى لمحبي التعرف على التراث المحلي، وحاملة لألقاب عربية وعالمية عديدة في قطاعات الثقافة والسياحة والصحافة والاقتصاد والاجتماع وغيرها، وركزت في حديثها على مشروع تطوير وترميم وإعادة الاستخدام لمباني منطقة قلب الشارقة والبيوت التاريخية القديمة فيها.

#انتهى#