سعادة المهندس أحمد محمد الرميثي، وكيل دائرة الطاقة في أبوظبي
تُعد المياه الركيزة الأساسية للنظام البيئي على كوكب الأرض، ورغم ذلك، يواجه حوالي ثلث سكان العالم تحديات متزايدة تتمثل في أزمة ندرة المياه، ومع تسارع وتيرة التغير المناخي وما يصاحبه من تفاقم الجفاف واضطراب أنماط هطول الأمطار، تتزايد الحاجة إلى حلول مبتكرة ومستدامة لإدارة الموارد المائية أكثر من أي وقت مضى.
عالميًا، لا يزال أكثر من 2 مليار شخص يفتقرون إلى مياه الشرب الآمنة، وتتوقع تقارير الأمم المتحدة أنه بحلول عام 2030، قد يؤدي نقص المياه إلى نزوح أكثر من 700 مليون شخص لمواجهة هذه الأزمة، حيث بات من الضروري اتخاذ تحرك عالمي عاجل ومنسق يعتمد على التكنولوجيا المتقدمة، ونماذج التمويل المبتكرة، وتطوير السياسات وتعديلها بشكل شامل لضمان استدامة الموارد المائية.
في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تتفاقم تحديات ندرة المياه بشكل حاد، حيث تزداد الضغوط على الموارد المائية العذبة المحدودة، وتواجه دول المنطقة تحديًا كبيرًا في تحقيق النمو المستدام بالتوازي مع ضمان الأمن المائي على المدى البعيد، مما يجعل الحاجة ملحة لإيجاد منصات عالمية تمكّن قادة القطاع والخبراء والمبتكرين من تبادل الحلول المبتكرة والرؤى الاستراتيجية لمواجهة هذه التحديات بنجاح.
في الوقت نفسه، تتصدر أبوظبي الريادة العالمية في مجال ابتكارات إدارة المياه، حيث تعتمد على تقنيات التحلية منخفضة الكربون لتقليل التأثيرات البيئية وتعزيز الاستدامة.
وتواصل أبوظبي ترسيخ مكانتها الريادية وجهودها الدؤوبة في مجال إدارة الموارد المائية بعدد من المبادرات النوعية خلال الفترة المقبلة، من بينها استضافتها المرتقبة في مطلع شهر ديسمبر المقبل لفعاليات المؤتمر العالمي لتحلية المياه 2024، الحدث السنوي الأهم في قطاع المياه، والذي سيسلط الضوء على الاستراتيجيات الطموحة للتحول المستدام في مواجهة تحديات ندرة المياه، مع التركيز على أهمية الإدارة المتكاملة للموارد المائية ودور الشراكات بين القطاعين العام والخاص في دعم الحلول المستدامة.
تظل السياسات الحكومية الركيزة الأساسية لضمان إدارة فعالة للموارد المائية، فهي تشكل الأطر التنظيمية التي تضمن الاستخدام الأمثل والمستدام للمياه في أبوظبي. وتتوافق اللوائح المعتمدة بشأن إعادة استخدام المياه وتقنيات التحلية منخفضة الكربون مع التزام أبوظبي بتحقيق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة (المياه والصرف الصحي للجميع).
ولا تقتصر هذه السياسات على تلبية الطلب المتزايد فحسب، بل تهدف أيضًا إلى حماية الموارد المائية للأجيال القادمة، ويُعد مشروع محطة الطويلة لتحلية المياه بتقنية التناضح العكسي مثالًا بارزًا على كيفية استثمار الابتكار التكنولوجي لتوفير حلول مائية مستدامة.
إن الابتكار التكنولوجي هو العمود الفقري لإدارة الموارد المائية بشكل مستدام، وتبرز ريادة أبوظبي في أنظمة المياه القائمة على الذكاء الاصطناعي، وتقنيات تحلية المياه الموفّرة للطاقة، وإعادة استخدام المياه ما يظهر أثر التكامل المحوري بين قطاعي الطاقة والمياه لتحقيق أهداف الدولة المتعلقة بالحياد الكربوني. ولبلوغ التحول الكامل في هذا القطاع، ينبغي علينا تسريع تطوير تقنيات كفاءة المياه، وبناء البنية التحتية الذكية، واعتماد تقنيات تحلية تُراعي استهلاك الطاقة، وهي عناصر أساسية في طريق الوصول لأهداف الاستدامة على المدى الطويل.
وإزاء هذه الأهمية، يجب أن يكون للجيل القادم دور جوهري ومشاركة فاعلة في قيادة هذا التحول، ومن هذا المنطلق، تلتزم دائرة الطاقة في أبوظبي برفع مستوى وعي الشباب حول أهمية الحفاظ على الموارد المائية والطاقة، وذلك بما يتماشى مع استراتيجية أبوظبي لكفاءة الطاقة والمياه 2030 من خلال مجموعة من المبادرات الرائدة، مثل البرامج التوعوية للطلاب، من خلال تمكينهم من اكتساب المعارف في الاستخدام المستدام لموارد الطاقة والمياه.
وفي إطار تعزيز وعي الطلبة بأهمية ترشيد استهلاك الطاقة والمياه، قمنا بإطلاق تطبيق (Energix) كأداة فعالة لتعزيز السلوك المستدام، فضلًا عن تنظيم محاضرات توعوية لأفراد المجتمع في مجالس أبوظبي، بهدف تثقيفهم حول الاستخدام الأمثل لموارد الطاقة والمياه. علاوة على ذلك، من المقرر إطلاق مبادرة خاصة بالشباب خلال المؤتمر العالمي لتحلية المياه بهدف تعزيز أدوارهم المستقبلية لكي يصبحوا قادة الاستدامة في قطاعي الطاقة والمياه.
تهدف جملة هذه المبادرات وغيرها إلى تمكين الجيل القادم، ليس فقط من خلال تزويدهم بالمهارات اللازمة لمواجهة التحديات المستقبلية، ولكن أيضًا من خلال تشجيعهم على المشاركة الفاعلة في الحوارات العالمية حول واقع الاستدامة ومستقبلها وقضايا الطاقة. سيقدم المؤتمر العالمي لتحلية المياه فرصة فريدة للشباب المبتكرين للتفاعل مع الخبراء واستكشاف أحدث التقنيات المائية، مما يضمن استعداد الجيل القادم لمواجهة التحديات العالمية المتعلقة بالمياه.
وفي ظل التحديات المتزايدة المتعلقة بنقص المياه، يصبح من الضروري تعزيز الجهود العالمية لتحقيق استدامة موارد المياه. حيث إن تحقيق مستقبل مائي مستدام يتطلب استثمارات مالية كبيرة، وتلعب المؤسسات المالية دورًا حاسمًا في توجيه رؤوس الأموال نحو المشاريع الأكثر استدامة.
لقد حققت أبوظبي بنجاح نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتوسيع نطاق المشاريع الكبرى للبنية التحتية، بما في ذلك محطات التحلية الكبرى، ومن خلال التعاون مع المؤسسات المالية العالمية، نؤمّن الاستثمارات الضرورية لتنفيذ حلول مائية مبتكرة وقابلة للتطوير لتلبية احتياجات المستقبل.
وأخيرًا، نرى أن تبادل الخبرات والتجارب بين القطاعين البيئي والصناعي وقطاع السياسات أمر حيوي لضمان اتباع نهج متكامل في إدارة المياه، فهو يوازن بين احتياجات البشر وحماية الموارد والأنظمة البيئية. وهناك حاجة إلى استراتيجية عالمية شاملة لمواجهة التحديات الناتجة عن النمو السكاني، والطلب الصناعي المتزايد على المياه، والتغير المناخي الذي تؤدي آثاره إلى تفاقم ندرة الموارد المائية.
وأنا على يقين تام بأن التعاون العالمي المشترك، الذي يجمع بين رواد الصناعة، وواضعي السياسات، والمؤسسات المالية، والقطاع البيئي، سيكون الأرضية المثلى لبناء عالم تتمتع فيه جميع المجتمعات بإمدادات مائية آمنة وموثوقة ومستدامة.
#انتهى #