من مشروع محلي إلى شبكة عالمية تمتد عبر 13 دولة

  • شراكات دولية تضع الحرفة الإماراتية على خريطة التصميم العالمي
  • حضور إماراتي في منصات عالمية: باريس، لندن، دبي، بازل، موسكو
  • متحف إرثي 2029… نقلة من المبادرات إلى مؤسسة ثقافية دائمة في عيد الاتحاد أل 54 لدولة الإمارات العربية المتحدة، تبرز تجربة «مجلس إرثي للحرف المعاصرة» بوصفه إحدى المؤسسات الوطنية الرائدة التي نجحت في تحويل الحرف إلى أحد أبرز مكوّنات الهوية الإماراتية المعاصرة، حيث قدّم نموذجًا ثقافيًا حيًا يُسهم في التعليم ويعزّز الاقتصاد والتنمية المجتمعية، ويُجسّد في الوقت نفسه رؤية الدولة تجاه التراث ضمن مختلف المحافل والمناسبات الدولية المتصلة بالفنون والتصميم حول العالم.

تأسس (إرثي) عام 2015 تحت رعاية قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة، سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة مجلس إرثي للحرف المعاصرة، بهدف بناء منظومة مهنية للحرفيات الإماراتيات، وربط التراث بمنصات التصميم العالمية.

وعلى مدار عشر سنوات منذ تأسيسه، جسد المجلس امتداداً عملياً للسياسات الثقافية الإماراتية التي عملت على دمج التراث، بما فيه الحرف، في ممارسات النمو والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فلم يكتفِ “إرثي”  بحفظ “التلي” و”السفيفة” و”الفروخة” وغيرها من الحرف الأكثر تمثيلاً للهوية المحلية، بل حوّلها إلى برامج تدريب وإنتاج وتوثيق مستدامة.

وواكب المجلس احتفالات دولة الإمارات العربية المتحدة بعيد الاتحاد بمجموعة من الورش، منها “ورشة صناعة ميدالية مفاتيح من التلي والجلد”، و”ورشة تصميم فواصل الكتب باستخدام تقنية (السفيفة)”، وذلك بالتعاون مع هيئة الشارقة للمتاحف، وهيئة الطرق والمواصلات بالشارقة، وهيئة كهرباء ومياه دبي. أشرف على تقديم هذه الورش نخبة من الحرفيات الإماراتيات، لتعريف المشاركين بقيمة الحرفة الوطنية ودورها في تعزيز روح الاتحاد، ونقل مهاراتها إلى الأجيال الجديدة بطريقة تفاعلية ومبتكرة.

بناء شبكة عالمية في عشر سنوات

تحوّل “إرثي” -خلال عقد من الزمن- من مبادرة محلية إلى مؤسسة تمتلك واحدة من أكبر شبكات الحرفيات في المنطقة، تعمل وفق منظومة تدريب وإنتاج وتطوير متكاملة. فقد توسّعت شبكة “إرثي” لتضم أكثر من 640 حرفية حتى مايو 2025، واستطاعت خلال هذه السنوات بناء حضور ثقافي ومهني وصل إلى 13 دولة عبر مشاريع تعاون وبرامج نقل معرفة.

وفي عام 2024 وحده، نظّم “إرثي” أكثر من 60 ورشة عمل استفاد منها ما يقارب 1400 مشارك ومشاركة، في حين شهد عام 2025  بناء أكثر من خمس شراكات استراتيجية جديدة مع مؤسسات تصميم وأسواق حرفية عالمية، كما شارك في أكثر من سبع فعاليات دولية ومحلية امتدت من الشارقة إلى لندن وبازل وموسكو، كان آخرها مشاركة المجلس في فعاليات معرض «نوماد أبوظبي 2025»، الذي نظمته دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي بالتعاون مع معرض «نوماد» العالمي، حيث استعرض أمام نخبة من قادة المعارض والمؤسسات الفنية ورواد التصميم من المنطقة والعالم، تجربته في تقديم الحرف الإماراتية كلغة حوار بين الثقافة المحلية ونظيراتها العالمية.

هذه البيانات تعكس انتقال «إرثي» إلى مؤسسة ذات بنية تشغيلية متكاملة، تشمل: تدريب منهجي، تصنيع متطور، تسويق دولي، توثيق معرفي، وتعاون ثقافي عابر للحدود.

من الحرف التقليدية إلى الاقتصاد الإبداعي العالمي

قدم “إرثي” خلال مسيرته نموذجاً عملياً لكيفية تحويل الحرفة من مهارة تقليدية إلى جزء من الاقتصاد الإبداعي العالمي. فمن خلال تطوير خطوط إنتاج فنية مستوحاة من التراث الإماراتي مثل الطايف، مُوي، تيلاد، ند، سَفرة، أعاد «إرثي» صياغة العناصر الجمالية المحلية بأسلوب معاصر يلائم أسواق التصميم الدولية.

وترافقت هذه الجهود مع تعاون نوعي مع علامات عالمية مثل: بولغري، كارتييه، أسبري، وديزاين ميامي، ما جعل منتجات الحرفيات الإماراتيات جزءاً من منصات عالمية مرموقة. كما سجلت الحرف الإماراتية حضوراً متقدماً في معارض كبرى مثل: ميزون دي إكسبسيونز، باريس، أسبوع لندن للتصميم، و أسبوع دبي للتصميم، لترسّخ مكانتها كمكوّن معاصر قادر على المنافسة والإلهام.

بهذا، يسهم إرثي في دعم مسيرة الدولة نحو تعزيز مساهمة القطاعات غير التقليدية في الناتج المحلي.

إرثي وتوثيق الذاكرة الثقافية

إلى جانب دوره المهني والإنتاجي، يسهم “إرثي” في توثيق الذاكرة الثقافية لدولة الإمارات من خلال بناء قاعدة معرفية دقيقة للحرف التي شكّلت جزءاً من الهوية الثقافية عبر العقود. فقد أصدر المجلس سلسلة من الأبحاث المتخصصة مثل: “ألياف النخيل”، “صناعة الأصباغ الطبيعية”، “عطر”، “وصفات للمستقبل”، و”هندسة الثقافة”، وهي إصدارات توفّر قراءة علمية للحرف الإماراتية وتوثّق تطورها وعلاقتها بالحياة الاجتماعية والاقتصادية في الدولة.

كما توسّعت مبادرات إرثي لتشمل ورش التطريز الإماراتي والفلسطيني والأردني والباكستاني، مقدّمة فضاءً للتبادل الثقافي يعيد ربط الحرف ببيئتها التاريخية ويضعها ضمن شبكة أوسع من المهارات الإقليمية. وبهذا، يتحول «إرثي» إلى منصة لا تُصقل المهارات فقط، بل تحفظ ملامح الذاكرة الوطنية وتحمي سردية الاتحاد من خلال توثيق الموروث الذي شكّل جزءاً من مسيرة الدولة منذ تأسيسها.

“متحف إرثي” منجزات على خطى الاتحاد

ويتقدم “إرثي” اليوم نحو محطة استراتيجية جديدة تتمثل في افتتاح “متحف إرثي” عام 2029، وهو مشروع سيحوّل “مجلس إرثي للحرف المعاصرة” إلى مرجعية ثقافية دائمة في مجال الحرف الإماراتية. وسيعمل المتحف على توثيق تاريخ الحرف، وعرض تطورها البصري والتقني، وتوفير مصادر علمية للباحثين والمتخصصين، إلى جانب وضع التراث الإماراتي ضمن سياق عالمي للصناعات الإبداعية. ما يجسد  الانتقال من المبادرات والبرامج المتفرقة إلى بنية مؤسسية دائمة تحافظ على الذاكرة الحرفية وتفتح لها آفاقاً جديدة.

ومع هذا المسار المتكامل، يمثّل “إرثي” نموذجاً عملياً لروح الاتحاد، فهو مشروع يستند إلى الهوية بوصفها رصيداً وطنياً، ويستثمر في الإنسان باعتباره محور التنمية، ويحوّل الموروث الثقافي إلى قيمة اقتصادية واجتماعية.

-انتهى-

By Sahar Hamza

أديبة وكاتبة قصص أطفال ومؤلفة كتب متنوعة بحثية ودراسية ذات موضوعات اجتماعية ومؤلفة سلسلة روايات حكايات امرأة صدر للكاتبة سحر حمزة خمسة دواوين شعر منها رسائل للقمر وصباح الخير يا وطن وقصائد للنساء فقط أوتار قلب وصباح الخير يا غزة وفازت روايتها سيدة الليلك كأفضل رواية صدرت عام 2009 حول المرأة ولديها كتب قيد الإصدار منها الرجل العجيب ودفن حيا وعلى أعتاب النهر الخالد