بدور القاسمي: الكتب توحّدنا في نسيج إنساني عالمي متعدد الثقافات
أكدت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب، والمؤسسة والرئيسة التنفيذية لمجموعة كلمات، أهمية أدب الأطفال ودوره المحوري في تعزيز وعي القراء الصغار بعواصم الكتاب العالمية، وقدرته على رسم ملامح مدن جميلة وغرس الشغف تجاه المعرفة والثقافة في داخلهم، وترسيخ محبة القراءة والمطالعة في نفوسهم، موضحة أن تعريف الأجيال الجديدة بالقضايا الثقافية الكبيرة والمهمة بشكل مبسط يرتقي بدورهم ومساهمتهم في تحقيقها في المستقبل.
جاء ذلك في حلقة نقاشية بعنوان “اكتشاف العوالم: أدب الأطفال وعواصم العالمية للكتاب”، استضافت الشيخة بدور القاسمي، ويوتا ليفاني، ناشرة من مؤسسة ليفاني للنشر في اليونان، وآنا روتسي، خبيرة التواصل لبرنامج عاصمة الكتاب العالمية في أثينا، اليونان، وأدارتها لامبريني كوزيلي، صحفية يونانية متخصصة في شأن الكتاب والقراءة، في جناح إمارة الشارقة ضيف شرف معرض سالونيك الدولي للكتاب 2024 باليونان.
وتناولت الشيخة بدور القاسمي الأسباب التي دفعتها لتأليف كتابها “العاصمة العالمية للكتاب”، الصادر عن دار “كلمات” والموجه للأطفال، مشيرة إلى أن جهود الشارقة لتعزيز مركزية الكتاب في بناء المجتمعات وتسهيل وصوله لكل فرد ممتدة وطويلة ومتواصلة، والأثر الذي تركه حصولها على اللقب تجسد في عرض تجربتها الثرية على المستوى العالمي.
مسؤولية تجاه إرث عظيم
وتحدثت الشيخة بدور القاسمي عن رحلة الشارقة نحو الحصول على لقب “العاصمة العالمية للكتاب”، مشيرة إلى أنها استغرقت عقداً من الزمان، وكانت مليئة بالعمل الدؤوب والتفاني، ولفتت إلى أن تلك الجهود تكللت بالنجاح في عام 2019، من خلال اتحاد مجموعة كبيرة من المؤسسات والأفراد في مبادرة واحدة لتحقيق هذا الإنجاز البارز، وأوضحت أن هذه التجربة الغنية دعتها إلى توثيقها في كتاب، ليس كتذكار للإنجاز فحسب، وإنما كمصدر إلهام للأجيال القادمة.
وقالت: “لم تزل لحظة تسلمنا اللقب من أثينا محفورة في الذاكرة، حيث شعرنا بمسؤولية كبيرة تجاه هذا الإرث العظيم، وبالرغم من أن اللقب كان رمزياً، إلا أننا عملنا بلا كلل لنظل عاصمة عالمية للكتاب، حتى بعد انتهاء السنة الرسمية؛ وهذا ما ظهر واضحاً عندما سلمنا اللقب إلى كوالالمبور؛ إذ كانت لدينا الرغبة القوية في مواصلة المشاريع التي بدأناها؛ ومن بين هذه المشاريع، برز (بيت الحكمة) كمجتمع ومكتبة تعكس رؤيتنا للثقافة والمعرفة”.
وحول الدور الجوهري الذي تلعبه الكتب في ربط الثقافات والحضارات بعضها ببعض، قالت الشيخة بدور القاسمي: “الكتب تجعلنا نشعر بأننا جزء من عائلة عالمية كبيرة وأننا في نسيج إنساني واحد متعدد الثقافات، وهذا ما أشعر به حين أنظر وأجد أن كتاب (العاصمة العالمية للكتاب) قد ترجم إلى 11 لغة”.
وأضافت الشيخة بدور: “في عالم اليوم، حيث تتنافس المنصات الإلكترونية على انتباه الأطفال، ليس من السهل جذب تركيز الصغار؛ وسواء كنا كتّاباً، أو ناشرين، أو رسامين، فإن مهمتنا هي الاستمرار في العمل بجد لتقديم محتوى يجذب انتباههم وينمي حبهم للقراءة”.
وفي معرض حديثها عن أهمية القصص في تنمية الأطفال، استشهدت الشيخة بدور القاسمي بكلمات آينشتاين: “إذا أردت أن يكون أطفالك أذكياء، اقرأ لهم قصص من وحي الخيال، وإذا أردتهم أن يكونوا أكثر ذكاءً، فاقرأ لهم المزيد من قصص من وحي الخيال.
وفي ختام حديثها، سلطت الشيخة بدور الضوء على قوة الترجمة ودورها الفعّال في نقل المعارف والآداب، وكيف أنها تفتح آفاقاً جديدة للحوار والتواصل بين شعوب العالم، مشددة على إيمانها بالترجمة كجسر يربط بين الثقافات ويسهم في توسيع مدارك الفهم والتقدير المتبادل بين الشعوب.
مفهوم عابر للحدود
من جهتها، شاركت يوتا ليفاني مشاعرها العميقة وتجاربها الثرية في الجلسة، معبرة عن امتنانها الكبير لكلمات الشيخة بدور القاسمي، وقالت: “عندما وقعت عيناي على كتاب (العاصمة العالمية للكتاب) للمرة الأولى، شعرت بقشعريرة تسري في أوصالي، وكان ذلك في معرض القاهرة”، مؤكدة أن مفهوم العواصم العالمية للكتب يتعدى حدود المدينة ليشمل الدولة بأكملها، مشيرة إلى أن أدب الأطفال يمثل نقطة ضعفها ومحور اهتمامها.
وأضافت ليفاني: “ما جذب انتباهي بشكل خاص لكتاب الشيخة بدور القاسمي هو الألوان المتناغمة على غلاف الكتاب، التي ترمز إلى الأرض الأم التي شهدت مرور الملايين من البشر قبلنا، وهي رسالة فنية بليغة أراد الرسام أن يوصلها لنا بكل صدق وأمانة وجمال”.
وشددت ليفاني على أهمية شبكة عواصم الكتب والتعاون القائم بين العواصم المختلفة، موضحة أنها تمثل وسيلة فعّالة لتقريب الشعوب والحضارات من خلال الكتب، إذ قالت: “من خلال هذه الشبكة، نستطيع أن نبني جسور التفاهم والتواصل الثقافي فيما بيننا”.
كتب في كل مكان
وفي إطار الجلسة الحوارية، شاركت آنا روتسي بتجربتها ورؤيتها، مؤكدة التأثير العميق الذي تركه لقب العاصمة العالمية للكتاب على أثينا. وقالت: “كان هناك جهد جماعي مضنٍ في أثينا للحصول على هذا اللقب المرموق”. مشيرة إلى أنه كان لزاماً على أصحاب المكتبات والمؤسسات الثقافية أن يعملوا يداً بيد، تحت شعار “كتب في كل مكان”، لضمان تسهيل وصول الكتب إلى جميع فئات المجتمع.
وتحدثت روتسي عن شبكة عواصم الكتب العالمية، موضحة أن الهدف منها لم يكن فقط الاحتفاء باللقب لمدة عام واحد، بل السعي لاستمرارية الجهود وتجاوز التحديات المرتبطة بالحصول عليه. وقالت: “قبل أن تستحدث اليونسكو الشبكة الرسمية، كانت هناك شبكة غير رسمية قائمة على التعاون والتواصل، حيث تواصلت معنا كوالالمبور للتعاون في ملف الترشح”.
يشار إلى الشارقة تحل أول ضيف شرف عربي على “معرض سالونيك الدولي للكتاب”، ويأتي اختيارها لهذا اللقب تقديراً لمساهمتها في النهوض بواقع الثقافة العربية والعالمية، ودورها في دعم مسار التنمية القائمة على الاستثمار بمقومات المعرفة من مؤلفين، وناشرين، ومترجمين، وفنانين، ومكتبات، ومؤسسات، وهيئات ثقافية، وتنظم الشارقة خلال مشاركتها في المهرجان سلسلة فعاليات ثقافية وإبداعية وعروضاً فنية تجسد ثراء الثقافة المحلية والعربية أمام جمهور المعرض من اليونان وكافة أنحاء العالم.
-انتهى-