عاقبني بحب
عقل الطّفل منسوج من طهر الصّغار الغالي وضياء الأمل المشرق ، وروعة الخيال ، فلنحافظ عليه بالتّعامل المتوازن المبني على الحبّ والودّ والتّفاهم والتّواصل الواعي ، وعلينا الابتعاد عن العقاب القاسي ، والتّفكير بتمعنٕ وعمقٕ ، ومن هنا ينبغي علينا التّفكير بالطّفل لدى وقوعه في الغلط ، فالغلط عند الأطفال شيء أساسي ، والطّفل يتعلّم من حلول أخطائه ، وردود أفعال والديه عليه دوماً .
وأسأل نفسي : هل طفلي يخاف منّي عند الوقوع في الغلط ومن ثمّ العقاب المؤذي نفسيّاُ ، وهل حياتي قائمة على هدف الوصول إلى العقاب ، ولندرك بأن العقاب للطّفل لن يكون مطلقاً بدوافع الانتقام منه لسوء سلوك معين ، لكنّه يهدف إلى المساعدة لتحسين السّلوك والارتقاء به ليستطيع أن يكون متكيّفاً مع واقعه ، وعلينا أن نتوقّف عن العقاب ، ولندرك جيّداً أنّ الأغلاط لدى الأطفال متفاوتة وليست على درجة واحدة ، وذلك بسبب قلّة إدراكهم وعدم نضجهم ووعيهم ، وينبغي أن نعمل بحكمة كي يعدّل الطّفل سلوكه ، ولا نجعل انزعاجنا يقودنا لاستعمال أشدّ وسائل العقاب مع الطّفل ، وهذا يؤدّي بطبيعة الحال لإحباط الطّفل وعدم تكيّفه مع ذاته أوّلاً ومع محيطه ثانياً ، مما يجعله شخصية معقّدة نفسيّاً ..
ومن الأهمّيّة الإشارة إلى أنّه ينبغي علينا ضرورة الوعي والإدراك بأنّ بعض أساليب العقاب ووسائله مرفوضة ، وإنّما يتمّ العقاب للتّذكير بعدم تكرار الغلط والابتعاد عنه فقط ، ليكون العقاب مناسبأ للمرحلة العمريّة التي يمرّ الطّفل بها ، وعلينا أن نكون حذرين في استعمال العقاب ، إذ ينبغي ألّا تعاقب أبناءنا ونحن في قمّة الغضب ، وعلينا الحذر من العقوبة بقسوة قبل معرفة أسباب المشكلة ودوافعها ، ذلك أنّ اللجوء إلى وسيلة واحدة للعقاب تجعل الطّفل معتاداً عليها ويكرّرها ممّا يؤثّر في سلوك الطّفل نتيجة انعدام تأثيرها ، وهذا ما يزيد من ا النّفسيّة ، فقد يشعر بالنّقص والدّونيّة ، وبالتّالي علينا اتّخاذ العقوبة المناسبة بحكمة كي يشعر الطّفل بالأمان والاستقرار النّفسيّ. رغم العقوبة ، فالعقاب للطّفل ينبغي ألّا يؤثّر في نفسيّته ، والعقاب هو الخطوة الأولى لتهذيب سلوكيّات الأطفال ، وعلينا أن نعلّمه ثقافة الاعتذار والتّسامح ، ولنكن قدوة له في الاعتذار إن أخطأنا بحقه وقمنا بغلط معيّن ضدّه ، كي تقوى شخصيّته ، لأنّ الاعتذار دليل قوة الشّخصيّة .
إنّ إعلام الطّفل بما ارتكبه من أغلاط يولّد لديه شعوراً بالمحبّة تجاه ذلك الشّخص الموجّه له ممّا يمكّنه الاعتماد على ذاته ويقوي شخصيّته وتكيّفها الذّاتية والاجتماعيّ ويقوي ثقته بنفسه ونظرته الإيجابية لذاته .
ونخلص من ذلك لنقول : إنّ عقاب الطّفل ليس هدفه تفريغ طاقة الغضب على الأبناء ، بل إرشادهم وتقويم سلوكهم عند تكرار الأغلاط السّلوكيّة ، ولا يتمّ بعنف وقسوة ، بل ينبغي أن تكون العقوبة في حدود الغلط كي يتذكّر ما ارتكبه من غلط لعدم التّكرار مجدّداً .
وعلينا الانتباه للمرحلة العمريّة التي يعيشها الطّفل لتكون العقوبة ونوعيّتها منسجمة مع تلك المرحلة ، وإذا كان العمر صغيراً جدّاً فعلينا العمل على ألّا تزيد مدّة العقوبة على خمس دقائق ، وإذا كان عمر الطّفل قبل دخول سنّ المدرسة يكون العقاب لعشر دقائق ، مع إتباع حالة الحرمان من نزهة أو لعب ، وهذا ما يسمى العقاب السّلبيّ ، ويجب على الآباء والأمهات شرح أسباب العقاب واستعمال التّواصل الجسديّ مع الطّفل عند إعطاء الأوامر ، والابتعاد عن اسلوب الضّرب والصّراخ وعدم الإهانة له أو شتمه والتّقليل من شأنه ، وخصوصاً أمام أفراد العائلة أو أقرانه ، وإنّ علاج المشكلة جزء هام من العملية التّربويّة وتؤدّي لنتائج جيّدة ونافعة ومفيدة ، ويجب أن يعرف الطّفل أنّ هذا العقاب لصالحه لتهذيب سلوكه وتحسينه .
كما أنّ العقاب ينبغي أن يكون ثابتاً وغير متذبذب ولا يُؤجَّل وخصوصاً في السّنوات الأولى من العمر ، لأنّ الطّفل يكون قد نسي ما فعله من غلط ، وسوف يشعر بالظّلم عند عقابه ، وعلى الأهل إعلام الطّفل سبب العقاب في مراحله العمريّة كلّها ، كي يبتعد عن ممارسة ذلك السّلوك الذي أدّى لاستعمال أسلوب العقاب معه .
وعلينا الابتعاد عن القول : طفلي صغير ولا يفهم ، بل يجب علينا أن نعلّمه القيم في ممارساته السّلوكيّة اليوميّة ، لأنّ القيم حياة راقية ، وستجعل منه فرداً إيجابيّاً في مجتمعه ، وعلينا غرس معاني شعور الاحترام للوالدين في نفس الطّفل وتنبيهه ، وهذا ما يسهم في بناء علاقة متينة وقوية بين الابن ووالديه ، وإذا حدث وتجاهل الوالدان سلوكاً مغلوطاً من الطّفل فإنّهم يكونون قد نجحوا تجاهه في تقويم سلوكه ، وهذا يرغّب الطّفل بالتّودّد إلى الوالدين ، وبالتّالي علينا اغتنام مثل تلك الفرص ، وأعتقد أن هذا سوف يكسب الطّفل الاستجابة لمشاعره بالحبّ والاهتمام و الاحتواء .
وإنّ الحرمان للطّفل لفترة بسيطة و مؤقّتة يعدّ من الوسائل المحبّبة لدى الأطفال ، وهذا يجعلهم يدركون قيمتها ، وسوف ينتج عنها بعض الامتيازات لنا من أطفالنا واكتسابهم شخصية متوازنة ومؤثّرة ، والأهم من ذلك هو اتّفاق الوالدين في أسلوب التّعامل مع أبنائهم لأنّ الاختلاف يمثّل لدى الطّفل تناقضاً في السّلطة بين المعاملة القاسية والدّلال المفرط بسبب التّناقض بين الوالدين ، بحيث يدفع الطّفل إلى فقدان احترام الوالدين ، مع العلم أنّ المعاملة القاسية أو التّساهل بلا حدود يخلق لدى الطّفل شخصية ضعيفة وعاجزة عن اتّخاذ القرار ، لهذا علينا أن نتعرّف ما يجول في أعماق طفلنا ، و يعدّ هذا موضوعاً في غاية الأهمّيّة ، والحديث مع الأطفال و الاستماع إليهم يساعدهم في تفريغ شحناتهم السّلبية ، وبهذا يمكننا معرفة ما بداخلهم ، وبذلك نستطيع المساعدة و تشخيص المشكلة بشكل دائم عبر الحديث مع الأطفال ممّا يكسبهم القوّة لأنّنا نكون دوماً إلى جانبهم أمام بقية أفراد الأسرة والأقران في الوقت المناسب الأمر الذي يسهم في مساندتهم وإرشادهم وتوجيههم بإيجابية بما يسهم في تعزيز قدراتهم و تحقيق إنجازاتهم وجعلهم قادرين على حلّ مشكلاتهم المستقبلية بسلاسة ، فلنكن قدوة لأطفالنا وهم يقلّدون ما يشاهدون ويسمعون .
العقاب مهمّته تنبيه الطّفل إلى ضرورة الالتزام بالقوانين وعدم الشّغب والفوضى لعدم إيذاء نفسه أو غيره ..
دمتم بخير المستشارة الأسرية الأستاذة : نهلة الضويحي
انتهى