“بيت الحكمة” يسلط الضوء على حركة الترجمة العربية ودورها في الحفاظ على التراث اليوناني القديم
اختتم بيت الحكمة مشاركته في برنامج الشارقة ضيف شرف الدورة الـ20 من معرض سالونيك الدولي للكتاب 2024 الذي استضافته اليونان خلال الفترة ما بين 16-19 مايو الجاري، حيث كان العنوان الرئيسي للمشاركة هي حركة الترجمة التي شهدها “بيت الحكمة” القديم في بغداد على يد كوكبة من ألمع علماء العرب والمسلمين الأوائل، وبتشجيع ورعاية كبيرة من الخلفاء العباسيين آنذاك، حيث بلغت هذه الحركة أوج ازدهارها خلال الفترة من القرن الثامن وحتى العاشر من الهجرة.
وحرص بيت الحكمة على تعريف جمهور المعرض بالجهود التي بذلها المترجمون العرب والمسلمون في نقل العلوم والمعارف اليونانية القديمة إلى اللغة العربية في مجالات الفلسفة والمنطق والطب والفلك والرياضيات والكيمياء والهندسة والآداب والموسيقى وغيرها، والتي تضمنت مؤلفات لكبار المفكرين اليونانيين مثل أرسطو وأفلاطون وبطليموس وإقليدس وجالينوس وغيرهم.
وقد لعبت هذه الحركة، التي اعتمدها الخلفاء العباسيون استراتيجيةً عامة للدولة آنذاك، دوراً جوهرياً في الوصول إلى التراث المعرفي والفلسفي الإغريقي والحفاظ عليه من الفناء بعد أن تعرضت أجزاء كبيرة منه للضياع في أعقاب انهيار الإمبراطورية الرومانية، حيث لم يكتفِ علماؤنا العرب والمسلمون بنقل النصوص اليونانية إلى اللغة العربية فحسب، بل تناولوها بالدراسة والتحليل تارة وبالنقد والتفسير تارة أخرى. وهذا التفاعل الفكري بين اليونانيين والعرب أدى إلى ظهور أفكار وتفاسير ومنهجيات جديدة، ساهمت في خلق ثقافة مستنيرة وأحدثت نقلة فكرية كبرى في العالم العربي.
وقالت مروة العقروبي، المديرة التنفيذية لبيت الحكمة، إن مشاركة بيت الحكمة في برنامج الشارقة كأول ضيف شرف عربي على معرض سالونيك الدولي للكتاب 2024، جاءت ضمن الأهداف الرامية إلى تعريف جمهور المعرض بالمشروع الثقافي والحضاري الذي تتبناه إمارة الشارقة بتوجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، حيث يولي سموه اهتماماً كبيراً بالنهوض بواقع الترجمة من العربية وإليها باعتبارها وسيلة لمدّ جسور التواصل الحضاري والإنساني بين مختلف الثقافات، وذلك من خلال رؤية سموه التي تُرجمت إلى مبادرات رائدة، أذكرُ منها منحة صندوق معرض الشارقة الدولي للكتاب للترجمة، وجائزة الشارقة للترجمة “ترجمان”، وغيرها من المبادرات التي تؤكد على اهتمام الشارقة بحركة الترجمة كسياسة تنتهجها منذ عقود طويلة.
وأضافت: “الإرث الثقافي المشترك الذي يجمع الحضارتين العربية واليونانية ضارب في أعماق التاريخ، وبلغ أوجه مع ازدهار حركة ترجمة وتعريب العلوم الإنسانية والتجريبية في بيت الحكمة التاريخي خلال العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، ويسرّنا في بيت الحكمة بالشارقة المساهمة في إعادة إحياء هذا الإرث العريق، عبر تعزيز قنوات التواصل بين المؤسسات الثقافية في دولة الإمارات ونظيراتها في اليونان، ومد جسور الحوار والاتصال الثقافي بين اليونان والعالم العربي والإسلامي”.
وبالتعاون مع مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، عرض جناح بيت الحكمة المشارك أمام جمهور المعرض عدداً من الكتب اليونانية القديمة التي تُرجمت إلى العربية، ومن بينها ترجمة حنين بن إسحاق لكتاب “فصول أبقراط” من تأليف أبقراط بن إيراقليدس؛ وترجمة ثابت بن قرة الحراني لكتاب “فضائل النفس”، الذي ألفه أرسطوطاليس بن نيقوماخس الجراسني.
وعرض الجناح كذلك مقطعاً قصيراً باللغتين العربية واليونانية للتعريف بملامح حركة الترجمة في بيت الحكمة القديم، وأبرز العلماء الذين قادوا حركة الترجمة من اليونانية إلى العربية، من أمثال حنين بن إسحاق (الملقب بشيخ المترجمين) وأبو يعقوب الكِنديّ وثابت بن قرّة الحرانيّ وأبو نصر الفارابي وغيرهم.
– انتهى –