باحثون: العلاقة بين الإغريق والعرب تعود إلى قبل الميلاد والشواهد عليها حاضرة في اللغة والأدب والفن
أكد عدد من الباحثين والكتاب الإماراتيين واليونانيين أن العلاقات التاريخية بين اليونان والعرب تعود إلى آلاف السنين، وتتجلى في حجم الترجمات العربية للمصنفات الإغريقية، وهي متجسدة في العمارة، والفنون الشعبية، والفلك والطب، وغيرها من العلوم والآداب والفنون، مشيرين إلى عدد من الكلمات اليونانية ذات الأصول العربية، ومختارات من أبرز مؤلفات الشعر والسرد العربي التي ذكرت فلاسفة اليونان وتأثرت بهم.
جاء ذلك خلال جلسة حوارية بعنوان “الصلات الحضارية بين العرب واليونان” ضمن فعاليات الشارقة أول ضيف شرف عربي على معرض سالونيك الدولي للكتاب 2024، تحدث خلالها كل من الدكتور سلطان العميمي، رئيس مجلس إدارة اتحاد أدباء وكتاب الإمارات، والدكتور عبد العزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث، والباحث والأنثروبولوجي هارس ميلتياديس، عضو مؤسسة الثقافة اليونانية.
مفردات يونانية وعربية مشتركة
وخلال الجلسة، ألقى الشاعر والباحث الإماراتي الدكتور سلطان العميمي الضوء على الروابط التاريخية العميقة بين العرب واليونان، مؤكداً أن هذه العلاقة تمتد إلى ما قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام، مستشهداً بالكتابات اليونانية القديمة التي وثّقت بدقة جغرافية البلاد العربية، وأشار في هذا الصدد إلى أعمال أيسخيليوس وإيسوقراط ويوريبيدس الذين تركوا نصوصاً تحكي عن بلاد العرب.
وتطرّق العميمي أيضاً إلى تأثير اللغة العربية على اليونانية، مستعرضاً حجم المفردات المشتركة بين اللغتين وتلك التي انتقلت من العربية إلى اليونانية، وأوضح أن هذا التأثير المتبادل لا يزال موضوعاً يحوم حوله الغموض؛ إذ لا يعرف بالضبط متى بدأ. وقال: “من الأمثلة على المفردات اليونانية ذات الأصل العربي كلمة (باراقالو) التي تعني (برجاء لو)، و(عتّال: أتالس) ومفردات مثل (خزنة: كزنس)، و(دنيا: داونياس)، و(خسارة: كساورا)، و(خبر: خاباري). وفي الاتجاه المعاكس، نجد كلمة (اسطرلاب) ذات الأصل اليوناني، حيث (اسطر) تعني النجم، و”وناؤوس” التي تعني الشرع”.
وأضاء العميمي في الجلسة على بعض المدونات العربية التي ذكرت فيها اليونان وفلاسفتهم، مثل كتاب الفهرست لابن النديم. ومنها بيت لابن الرومي، الذي توفي في القرن الثالث للهجرة، ويقول فيه:
ونحن بنو اليونان قوم لنا حِجًا
ومجد وعيدان صلاب المعاجم.
وأشار العميمي إلى كتاب “الرسالة الحاتمية” لابن المظفر الذي ينسب إلى المتنبي أنه تأثر في بعض أبياته بمقولات لأرسطو، منها مقولة أرسطو: إذا عرفت من أفنى عمره في جمع المال خوف العدم فقد أوزى بنفسه إلى الفقر… زاعماً أن المتنبي تأثر بمقولته، فقال:
ومن ينفق الساعات في جمع مالهِ
مخافة فقر فالذي فعل الفقـرُ
النسطورية وفن الفجري
بدوره، تحدث الدكتور عبد العزيز المسلم حول العلاقة بين اليونان والعالم العربي من خلال المذهب النسطوري، وهو تيار ديني ظهر في المسيحية القديمة، مؤسسه نسطوريوس، الذي رفض فكرة اتحاد الطبيعتين الإلهية والبشرية في شخص المسيح، حيث أشار المسلَّم إلى أن أهل الخليج قبل الإسلام كانوا يتبعون هذا المذهب.
وتطرق المسلّم أيضاً إلى فن الفجري، وهو نوع من الغناء البحري الذي يُعتقد أن له جذوراً تاريخية ترتبط بالنسطورية، حيث روى قصة ثلاثة صيادين سمعوا أصوات طرب خلال رحلة بحرية، وعندما اقتربوا وجدوا مخلوقات أسطورية نصفها بشر ونصفها حيوانات، وتلقوا تحذيراً بأن أي شخص يكشف هذا السر للناس سيصاب بالعمى ثم يموت. لافتاً إلى أنه يُعتقد حتى اليوم أن من يمارس فن الفجري قد يصاب بالعمى، كما أوضح المسلم أن الألحان المستخدمة في فن الفجري تشبه ألحان الإنشاد الديني النسطوري، مما يعكس الصلة بين هذا الفن والمذهب النسطوري اليوناني.
الصداقة الثقافية روح الشعوب
في مداخلته خلال الجلسة، قدم الأنثروبولوجي هارس ميلتياديس عرضاً تاريخياً شاملاً للعلاقات اليونانية العربية، مؤكداً على أهمية الترجمة كنقطة انطلاق لفهم هذه العلاقات، ومشيراً إلى أن الترجمات من اليونانية إلى العربية كانت بمثابة جسر لنقل المعرفة في مجالات الفلسفة، الطب، الفلك، والعمارة، وأن هذه الترجمات لعبت دوراً محورياً في تشكيل العلاقة بين الحضارتين.
وقال ميلتياديس: “كانت الترجمة العربية عظيمة ومفصلية في تاريخ العلاقة بين اليونان والحضارة العربية، وحان الوقت لإقامة علاقات صداقة ثقافية تعزز الروابط بين الشعبين؛ إذ إن الثقافة خير ما يمثل روح الأمم والشعوب”.
وأكد ميلتياديس أن الحاجة اليوم ماسة أكثر من أي وقت مضى لخلق علاقات صداقة ثقافية لتعميق الصلات بين العرب واليونان، معتبراً أن الثقافة هي العنصر الأساسي الذي يجمع بين الشعوب ويعزز التفاهم المتبادل، مشيراً إلى أن هذه الصداقة الثقافية ستكون الأساس لمستقبل مشترك أكثر إشراقاً وتفاهماً بين حضارتين تمتلكان نقاط تفاهم والتقاء تاريخية مشتركة.