قادة عالميون: توحيد معايير الاستدامة المالية هو المفتاح لاستعادة ثقة المستثمرين عالميًا
شهد اليوم الأول من منتدى الشارقة للاستثمار 2025، الذي ينظّمه مكتب الشارقة للاستثمار الأجنبي المباشر «استثمر في الشارقة» ضمن أجندة موحدة مع منتدى الاستثمار العالمي، جلسة رفيعة المستوى حملت عنوان «مواءمة التمويل العالمي مع الاستدامة»، شارك فيها نخبة من القياديين الماليين والخبراء الدوليين الذين ناقشوا آليات دمج مفاهيم الاستدامة في النظام المالي العالمي، ودور المؤسسات الدولية والإقليمية في توجيه رؤوس الأموال نحو مشاريع تحقق الأثر البيئي والاجتماعي والحوكمة، واستعرضوا أبرز التحديات التي تواجه مواءمة التمويل مع الاستدامة.
شفافية التمويل من أجل مستقبل مستدام
في مستهل الجلسة أوضح كريون بتلر، المدير الأول في معهد “تشاتام هاوس” الملكي للشؤون الدولية في المملكة المتحدة، أن الجهود العالمية لتحقيق التمويل المستدام ما زالت تواجه فجوة ضخمة رغم وجود تقدّم في السنوات الأخيرة، مشيراً إلى أن المبادرات المناخية الدولية تُقدّر حجم التمويل الفعلي بنحو تريليوني دولار، لكن جزءاً كبيراً منه لم يوجَّه بعد بشكل فعّال نحو مشروعات الاستدامة الحقيقية.
وأكد بتلر أن القطاع الخاص ما يزال متردداً في تمويل المشاريع طويلة الأمد، نظراً لطبيعتها غير المضمونة مقارنة بالمكاسب السريعة، مما يفرض ضرورة تدخل السياسات العامة لتصحيح هذا الخلل، وأوضح أن الشفافية عنصر أساسي في تحقيق ذلك، داعياً الحكومات إلى إلزام المؤسسات المالية بالإفصاح الكامل عن استثماراتها وانبعاثاتها البيئية.
التنمية تبدأ بإصلاح مؤسسي واعٍ
من جانبه أوضح كوفي فابريس جوسو، الخبير الرئيسي ورئيس قسم الابتكار وإدارة تمويل التنمية المستدامة في بنك التنمية لغرب أفريقيا، أن بناء استراتيجية تنموية مستدامة يتطلب دمج البعد البيئي والاجتماعي والحوكمي في قرارات الاستثمار، مؤكداً أن هذه المنهجية ستقود إلى استثمارات طويلة الأجل تدعم النمو الاقتصادي المستدام.
وبين جوسو أن المؤسسات التنموية يجب أن تنخرط في إصلاحات مؤسسية حقيقية لضمان كفاءة التمويل، مشيراً إلى أن الوعي ونشر المعرفة يمثلان ركيزة أساسية في مسار التحول والاستدامة، إذ لا يمكن تحقيق استدامة اقتصادية دون مشاركة فاعلة من جميع الأطراف.

الوعي والمرونة أساس استدامة الأسواق الناشئة
واستعرض أحمد عبود المدير المالي لمجموعة غسان عبود، تجربة القطاع الخاص في الموازنة بين الربحية والمسؤولية البيئية والاجتماعية، مشدداً على أهمية رفع الوعي بمعايير الـESG في الأسواق الناشئة، التي لا تزال متأخرة عن نظيراتها المتقدمة في هذا المجال، وأشار إلى ضرورة بناء منصات واضحة ومتكاملة تتيح للمستثمرين والشركات فهم كيفية تطبيق معايير الاستدامة والاستفادة منها، مؤكدًا أن الوعي هو الخطوة الأولى نحو التحوّل الحقيقي، وأضاف عبود أن كل قطاع وكل دولة لهما احتياجات مختلفة، لذلك لا يمكن تطبيق نموذج واحد على الجميع، بل يجب تصميم حلول مخصصة تأخذ في الاعتبار طبيعة كل سوق وكل شركة.

معايير موحدة وابتكار في أدوات التمويل
من جانبه أكّد ولفجانج إنجل، المدير العام والممثل الإقليمي لمعهد التمويل الدولي في الشرق الأوسط وإفريقيا على أن توحيد معايير الإفصاح البيئي والاجتماعي والحوكمي (ESG) بات أولوية عالمية، إذ لا تزال المعايير الحالية غير موحدة ولا توفر الشفافية الكافية للمستثمرين، وأوضح أن المرحلة القادمة تتطلب تعاونًا دوليًا لوضع أطر إفصاح موثوقة وقابلة للمقارنة، حتى يشعر المستثمرون بالثقة في ضخ رؤوس أموالهم في المشاريع المستدامة، وشدد إنجل في حديثه على أهمية دعم الابتكار المالي عبر تبني نهج “الصندوق التجريبي” (Sandbox Approach) الذي يسمح بتجربة منتجات مالية جديدة، وتطوير شراكات بين القطاعين العام والخاص لتوسيع نطاق الشركات الناشئة الناجحة في مجال التمويل المستدام.

التكنولوجيا تعزز تفاؤل المستقبل
واختتمت الجلسة بحديث يوسف سالم، المدير المالي لشركة “أدنوك للحفر”، حيث أكّد سالم أن دولة الإمارات العربية المتحدة قطعت شوطاً كبيراً في التحول نحو الاستدامة بفضل الاستثمار في التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي.

وأوضح أن الدولة أصبحت مركزاً رئيسيًا للطاقة، وتعمل بجد على سد الفجوات بين احتياجات النمو الاقتصادي ومتطلبات البيئة، وأشار إلى أن استخدام التكنولوجيا المتقدمة في عمليات الحفر مكّن الشركة من رفع الكفاءة وخفض الانبعاثات في آنٍ واحد، مؤكّدًا أن المشهد الحالي أكثر تفاؤلًا من أي وقت مضى، وختم بقوله “إن القضايا الجيوسياسية تؤثر بلا شك في مسار التنمية، إلا أن الرؤية الاستراتيجية للإمارات وقدرتها على التكيّف تجعلانها في موقع الريادة لتحقيق توازن فعلي بين الطاقة والاستدامة”.

-انتهى-