“من مذكرات مندوب تسويق ومبيعات“
كتبت عالية الشيشاني /موسكو
اليوم كان مضنيا وشاقا ، خرجت بصحبة اثنين من الموظفين المستجدين وطفت على العديد من البيوت والعمارات السكنية لاسوق لعروض احدى المطاعم ، استطعت ان اقتحم عقول الكثيرين باندفاعي وجرأتي وثقتي بنفسي ، وكان مرافقاي( والذين هما تحت التدريب حاليا ) ينظران الى نظرات الاعجاب والحسد .
في نهاية الجولة وفي ساعات المساء ، تعكر مزاجي من احدى السيدات اللواتي يتصنعن الحذاقة والفهم ، كنت اهبط من درج احدى العمارات فلمحتها تفتح باب شقتها وتطرق باب الشقة المقابلة ، بادرتها بالتحية فردت باقتضاب ، ثم اقتحمت فورا حيزها الوهمي الخاص وبادرتها بسؤال : ليش مكشرة ؟ وسرعان ما حاولت ان تثبت لي العكس فانبسطت عضلات وجهها وعادت خطوتين الى الوراء لتقف امام باب شقتها الذي تركته مفتوحا ، واصبحت جاهزة لتلقي ما ساقوله ، اخبرتها عن عرض مطعم الوجبات السريعة المتضمن الحصول على وجبة مجانية مقابل وجبتين يتم شراؤها من خلال دفاتر كوبونات بقيمة عشرة دنانير لكل دفتر وشرحت لها المبلغ الذي يمكن ان توفره اذا ما ذهبت الى المطعم بصحبة زوجها واطفالها .
تناولت الدفتر وبدأت تقلبه بيديها والحيرة تبدو على وجهها ، لم اشأ ان افلت الفرصة من يدي ، فثمة متدربين اثنين ينظران الي ويحاولان التعلم من اسلوبي وهما غنيمة بالنسبة لي اذا استطعت ان استثمرهما فسوف يرفعان من نقاطي لدى ادارة الشركة ، لذلك اخرجت بطاقات اشتراك حصلتها من الزبائن في العماره وفي الحي المجاور وقلت لها : انظري يا مدام كل هؤلاء اشتركوا بالعرض المقدم من المطعم . وكنت احاول بذلك جعلها تتحمس وتقبل بالعرض هي الاخرى ، ولكنها نظرت الي ببلاهة ثم نظرت الى البطاقات وقالت : كل هدول بياكلوا JUNK FOOD ؟ كظمت غيظي واجبتها : مدام انا اعلم ان العديد يعتبرون الوجبات السريعه طعاما غير صحي ، ولكن وجبة واحده او وجبتين في الشهر لن تضر ، وعلى كل حال يمكنك شراء دفتر واحد بمبلغ عشرة دنانير وتجربي وسوف يستمتع اطفالك ، قلت هذا وانا اتابع من خلف كتفها اطفالها الاربعة ومن اعمار مختلفه ينظرون ويستمعون الى حديثنا وعيونهم تبرق . حانت منها التفاتة نحوهم ثم وافقت اخيرا على شراء دفتر واحد للتجربة . غابت للحظات ثم عادت ومعها مبلغ العشرة دنانير وطبق يحوي بعض المعجنات وقدمته لنا ، واظنها حاولت بذلك تحسين سلوكها المتعجرف معنا.
غادرنا ونظرات الاعجاب من زميلي لم تتوقف .
من مذكرات ربة منزل :
حصل معي مساء امس مقلب سخيف من مندوب تسويق عندما كنت اقرع باب شقة جارتي ففوجئت بثلاثة شبان يهبطون من الطابق العلوي ويقفون امامي فجأة ، احدهم بادر بالتحية فرددت عليه بارتباك لانني كنت ارتدي ثيابا منزليه بسيطة وشعري غير مسرح وانتعل خفا ، وماذا في ذلك ؟ لقد خرجت بضعة امتار خارج شقتي لأسال جارتي سؤالا ، ولم يدر في ذهني انني سألتقي بالغرباء في مثل تلك الساعه ، لم اسمع خلال تلك المحادثة الا صوت الشاب الذي حياني اما الاخران فبقيا صامتين . بدأ الشاب حديثه واثقا وبدون مقدمات سألني ( ليش مكشره) كان يمكنني ان احرجه امام زميليه لكنني لم افعل ، فقد بدا وكأنه يمارس دورا قياديا عليهما . حاول اقناعي بالاشتراك في عروض احدى مطاعم الوجبات السريعه ، وحاولت ان اشرح له بأن ثقافة البرغر والكولا غير موجوده في اسرتنا وان عدد الوجبات السريعة التي تناولناها طوال حياتنا تعد على الاصابع، لكنه لم يستسلم ولجأ الى اسلوب مستهلك اعرفه جيدا ليحملني على الاقتناع بجودة بضاعته فأخرج من جيبه بطاقات عائدة لمشتركين في عرض المطعم ليجعلني اتحمس للموضوع ، صمت برهه ونظرت الى اطفالي الذين كانوا يقفون خلفي على بعد مترين او ثلاثه ثم وافقت على شراء دفتر واحد فقط ، اعطيته المبلغ وقمت بتوزيع بعض المعجنات عليهم فقد كانت انفاس الشاب كريهة تنبىء بانه ومن معه لم يذوقوا شيئا منذ فترة طويله ، لا عجب فقد كنت آخر ضحاياه اقصد زبائنه الذين تحدث معهم في نهاية يوم عمل طويل .
بعد ذلك ووسط فرحة الاطفال وصخبهم بدأت مهمة اقناع زوجي بجدوى ما فعلت ، وعندما ذهبنا اليوم الى المطعم ومعنا دفتر الكوبونات فوجئنا بالموظف المسؤول يخبرنا بان هذا العرض لا يسري على وجبات الاطفال !!!! ؟ يا اولاد الـ ….. وهل يحضر عاقل الى مطعم للوجبات السريعة الا مكرها من قبل اطفاله .
………………….
من مذكرات رب اسره :
بسبب عقلية زوجتي الساذجه، استطاع مندوب مبيعات ان ينتزع منها عشرة دنانير بدون أي مقابل ، نعم بدون أي مقابل ،، بقيت مساء امس تقنعني بصواب ما فعلته بشراء دفتر اشتراك في مطعم للوجبات السريعه ، ذكرتها بكلامها وقناعاتها حول الطعام غير الصحي ، الا انها ذهبت بالحديث كعادتها الى منحى آخر ، فقالت انها فعلت ذلك لتشجع هؤلاء الشبان على العمل واكتساب المهارات وان العشرة دنانير مبلغ زهيد ، وان الاولاد متحمسون للذهاب واللعب هناك . وكانت المفاجأة عندما علمت من موظف المطعم ان هذا العرض لا يسري على وجبات الاطفال ، اقترحت ان نطلب جميعا وجبات الكبار لكي نستفيد من الكوبونات الموجودة معنا الا ان الاولاد بدأوا بالاحتجاج والصراخ حتى (سلمى ) التي شارفت على العاشرة من العمر، اصرت على ان نطلب وجبات الاطفال حتى يحصل كل واحد منهم على اللعبة التي توزع كهديه مع كل وجبه ، بالطبع خضعت لطلبهم ، وبقيت انا وزوجتي صامتين في جو مشحون . اما دفتر الكوبونات او عدة النصب ، سموها ما شتئم ، فقد اصبحت لعبة وتسلية في ايدي الاولاد يتقاذفونه تارة ويستخدمونه للرسم تارة اخرى ، كل هذا بسبب غباء زوجتي .
………………….
من مذكرات الطفله سلمى :
انا مستاءة جدا من بابا وماما فهم يختمون كل شيء بالنكد ، لقد كانت ماما مترددة مساء امس في قبول عرض لاحد مطاعم الوجبات السريعه وعندما نظرت الينا ، بادلتها بتلك النظرة التي اتقنها جيدا والتي بعدها لا يمكن لماما ان ترفض لي طلبا ( عينان نصف مفتوحان ورأس مائل يغوص بعض الشيء بين كتفي ) . كل هذا الجهد الذي بذلته في البيت ، بذلت ضعفه في المطعم من اجل اخوتي الصغار لكي يحصلوا على وجبات اطفال غير مدرجة في العرض ، وفي النهاية خرجوا من المطعم سعداء بالعابهم التي حصلوا عليها ، بينما انا لم احصل على الآيباد الذي وعدتني به امي منذ شهور ، الى متى ابقى اتطفل على اجهزة الايباد الخاصة بصديقاتي اريد ان اقتني واحدا خاصا بي . ولكني لن استسلم سأبقى الح على بابا وماما حتى احصل على مرادي . آااخ حظي عاثر دائما .