كتبت الدكتورة علياء إبراهيم
عام مضى على فراقك يا حبيبة..
عام مضى يا أمي وقد أغلقتِ عينيكِ بين ذراعي، وكان آخر نفَس أغلقتِ فمكِ عليه كأنه أحد أنفاسي، كنت أظن أنه قد يسعفك وتعودين للحياة، لكن شاء الله سبحانه أن تفارقيني وترحلي.
الأيام في غيابك يا أمي بطيئة .. لأن فراقك جعلها ثقيلة ، بينما لحظة فراقك ما برحت ذاكرتي، أعيشها كل يوم، وكأنها تتجدد..
عام مضى يا أمي وأنا أقترب من الستين ولا أزال أحتاج إلى أحضانك،وأحتاج مشاهدة فرحتك وأنا أتفنن في صنع مفاجأة أرى بها سعادة ولو مؤقتة تطلّ من عينيك.
أستعيد آخر نظرة لك يا أمي قبل ساعات من رحيلك، وأتساءل: لماذا كنتِ تدققين النظر في وجهي؟!.. لحظتها خفت أن يكون ضعف شديد قد أصاب عينيك، لكنّ تأملي الآن للأحداث التي سبقت رحيلك اختلف، فكلماتك أصبح لها معاني مَن كانت تشعر بالرحيل.
ترى، هل كنتِ يا مُحبّةَ الحياةِ تشعرين بقرب الرحيل، كما يقولون.. أم كنتِ يا أمي تخافين على صغيرتك التي شارفت على الستين ؟!
رحلت أمي وقد ضممتها قبل الرحيل بـ90 ثانية، فقد كنت في حضرة ملك الموت وهو يقبض روح أعز الناس.. أرى خروج الروح.. كنت أستشعر النفَس الأخير لمن منحتني أول أنفاسي.. أفتح فمها لأمنحها أنفاسي فتكون آخر ما في فمها أنفاسي.. أنظر إلى ذراعي فأرى أمي تتهاوى.. أظنها تتدلل عليّ.. أي لطف يا لطيف أحطتني به حتى لا أفزعها.
يقولون إن العقل يظلّ دقائق يعمل بعد الوفاة، فهل شعرتِ يا أمي بذهولي.. هل سمعتِ صوتي الغاضب أؤكد أن هذا الطبيب لا يفهم.. هل سمعتيني أردد أنك في غيبوبة.. هل شعرتِ بقبلتي على جبينك، هل تخيلتِ يا أمي أن ابنتك الصغيرة كبرت بعد إدراكها أنك رحلتِ.. هل سمعتِ اختناق صوتي الذي غاب بغيابك لأيام.. هل غضبتِ منّي لأنني لم أستطع أن أراكِ وأنت تنزلين إلى جوار أمك وأبيك وأخيك.. هل شعرت بي وأنا أصرّ ألا تغادري بيتك قبل مجيء أخي المفجوع الباكي على الطريق يستجدي بقاءك؟!
وجودك جسد لا يتحرك في البيت وتأجيل مغادرة لن تعودي بعدها أراح قلبي،لكنني أدركت أنك رحلت، وأنني كبرت يا حبيبة ولن أعود صغيرة.
أحداث كثيرة في عام مضى على فراقك يا حبيبة أبحث عنك لأقصها عليك فلا أجدك.. أكاد أمسك الهاتف لأتصل بكِ فأدرك أن هاتفك في درج المكتب ساكن صامت يا حبيبة.
أمي، كنت أقول لأولادي مع فراق أبيهم إن حزن فقد الأب والأم ليس حزن أيام،بل وجع يسكن القلب مدى الحياة، لكننا لابد أن نكمل الحياة..
#انتهى #