تواصلت الأحد 15 ديسمبر، فعاليات مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي في دورته الثامنة بمنطقة الكهيف، بحضور عبدالله العويس رئيس دائرة الثقافة رئيس المهرجان، حيث قدمت المسرحية الأردنية “الديرة” من تأليف وسام البريحي، وإخراج محمد الضمور، وقدمتها فرقة «رف للفنون الأدائية»، وشهدها جمهور غفير.
واستند العرض على حكاية بسيطة عن تنافس الصديقين “عقاب” و”رداد” على الارتباط بالفتاة ذاتها “العنود”، التي تختار أحدهما، ويتسبب اختيارها في تحول المودة بين الصديقين إلى عداوة تزداد حدتها حين تتدخل أخت الأول في الصراع بين الاثنين لمناصرة أخيها، وتدعي أن “رداد” اعتدى عليها، فتحمل عليه القبيلة وتحبسه ليحكم في أمره القاضي، ولكن أثناء المحاكمة تكشف أم عقاب أن ابنتها كذبت تحيزاً لأخيها، وتصف “رداد” بالشهامة والنبل والأدب، ثم يتصالح الطرفان المتصارعان، ويزف “رداد” إلى عروسه في جو يفيض بمشاعر الأخوة والبهجة.
وصمم فضاء العرض بمجموعة من العناصر المرئية التي عكست البيئة البدوية الأردنية، من خيام وأزياء وخيول، واستخدمت الإضاءة بدرجات وألوان متعددة، والموسيقى والأغنيات والرقصات الشعبية في ترسيم وتكثيف الانتقالات والتحولات من مشهد إلى آخر.
وكانت فعاليات اليوم الثالث للمهرجان انطلقت عند الخامسة بالجلسة الثانية من المسامرة الفكرية، وخصصت لشهادات قدمها المخرجون المشاركون في هذه الدورة، تحت عنوان «المسرح الصحراوي.. التجربة والوعي»، وأدارها عبدالله مسعود، وتحدث في بدايتها المخرج التونسي حافظ خليفة مشيراً إلى أن مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي يعد «تجربة مسرحية متفردة بامتياز، وبها ريادة وجرأة في لفت أنظارنا إلى مخزوننا وإرثنا الثقافي، وهويتنا الصحراوية».وذكر خليفة أن العديد من التجارب المسرحية العربية حاولت العودة إلى التراث والنهل منه، وبناء مسرح عربي، لكنها «ظلت تجارب منقوصة ومؤقتة وتم تجاوزها بجيل أوغل في جلب تقنيات وأساليب درامية غربية». وأشار المخرج التونسي إلى أن المهرجان «ولّد فينا رغبة اكتشاف الذات، والرجوع إلى البدايات والجذور، وحفز فينا حب المصالحة مع إرثنا الضارب في القدم»، مشيداً بالإقبال المتزايد للجمهور على ساحة المهرجان. وقال خليفة إن المتابع عن كثب سيكتشف أن تجربة المهرجان بها من العمق والوعي في المشروع والأهداف الكثير والنادر، فهو «بوابة لاقتراح مسرحي جديد يعتمد على تفاصيلنا في الهوية والذوق، وأنا شخصياً أؤمن بأن التفرد والعالمية لا يأتيان إلا بالتصالح مع المحلية».
أما المخرج الموريتاني سلي عبدالفتاح، فتحدث عن الأثر الإيجابي لمهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي في إثراء مسيرة هذا اللون الفني في موريتانيا، مشيراً إلى أن الدعم الذي قدمه المهرجان لفرقتهم، ودعوتها مرات عدة للمشاركة فيه، أسهم في تكوينهم فنياً، وحفزهم للبحث والاشتغال على المادة التراثية الحسانية، حيث اكتشفوا العديد من الإمكانات التي ساعدتهم على صناعة عروض مسرحية عدة، وأن كل ذلك لم يكن ليتحقق لولا هذا المهرجان.
واستعرض المخرج المصري عادل حسان مجموعة من التجارب المسرحية التي شاهدها في بلده، وتميزت بسعيها إلى الخروج من إطار الفضاءات المسرحية التقليدية، مشيراً إلى أن مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي يتفرد بالحيز الذي اقترحه لتقديم عروضه في منطقة الكهيف، والموضوعات التي يجب أن تكون مرجعيتها التراث العربي، وذكر حسان أنه شاهد العديد من الأعمال التي قدمت في المهرجان، وتحمس للمشاركة فيه حتى يختبر إمكاناته، منوهاً إلى أن هذا النوع من التظاهرات المسرحية يسهم في تسليط الضوء على غنى وتنوع التراث المحلي، ويمثل إضافة إلى الجهود المسرحية العربية السابقة. وذكر حسان أنه تعاون في إنجاز مسرحيته “الزينة” مع الكاتب والباحث في التراث الشعبي محمد أمين عبدالصمد، كونه خبيراً بالبيئة التي يتناولها العرض، ومن سكانها.
وفي مداخلته تحدث المخرج الإماراتي محمد العامري عن تجارب عدة له في تصميم وإخراج العروض لتقدم في فضاءات مفتوحة، فثمة عدد من “الأوبريتات”، وحفلات الافتتاح، وعروض الأداء في احتفاليات شتى، سبق له أن أخرجها واشتغل فيها مع عدد أكبر من الممثلين والمؤدين، وفي مساحة واسعة، ولكنه خلال ذلك لم يواجه التحديات التي وجدها عندما تصدى لإخراج أول عرض له في مهرجان المسرح الصحراوي. وتكلم العامري عن الصحراء بصفتها فضاء ثقافياً واجتماعياً، وكيف تحضر إلى ذهنه بكثافة وإلحاح كلما شرع في إخراج عرض جديد للمهرجان، كما تطرق إلى مرئيات المساحة التي تؤدى فيها عروض المهرجان، مثل الكثبان، والوديان، والرمال، والآثار، مشيراً إلى أنه كان يحتاط دائماً في عمله الإخراجي من أن يؤثث هذا الفضاء البكر بمشهد أو عنصر يشوه جمالياته الطبيعية. واستعرض المخرج الإماراتي العروض السبعة التي سبق له أن قدمها في المهرجان، وكيف تفرد كل واحد منها بمضمونه الذي كان عليه أن يجسده إخراجياً بكيفية مختلفة.
في ختام الجلسة قدم أحمد بورحيمة مدير المهرجان، شهادات المشاركة للمتداخلين في المسامرة الفكرية.