كتبت الأديبة المصرية وفاء شهاب الدين

وخير جليس في الزمان كتاب” كانت الكتب في طفولتي هي جليسي الأولى، وسميري المفضل ،كنا من جيل التلفزيون نتابع على القناتين، والذي يبدأ بثه ربما في الثانية عشرة او الواحدة وينتهي بثه دون أن يشفي غليل وحدتنا،كنت فتاة وحيدة ولم يكن لدي ما أتسلى به سوى مكتبة والدي الضخمة والتي كانت بستان يزدان بكل ما يتمناه قاريء لكن نوعية الكتب التي كانت تنتمي أكثر  للكتب الدينية بسبب عمل والدي ،فوالذي كان عالماً جعل الدعوة حياته،كنت في الصف الثاني الابتدائي حين التقطت كتاباً صغيراً  ليسامرني مازلت أذكر اسم الرواية المترجمة رغم نسياني لآلاف العناوين الأخرى “بن كيزي بعنوان “طبيب القلوب” لا أذكر عما تدور الرواية لكني أذكر أنني وللمرة الأولى قرأت تعبير”الزائدة الدودية” فطلبت من والدي كتاباً عن التشريح أو الجراحة حتى أفهم سبب تسمية الزائدة بهذا الاسم فنصحني بقراءة مجلة العربي وقد كان لدي أعدادها المبهرة والتي يبتسم غلافها كل مرة بفتاة من ثقافة معينة ،ومن دولة مختلفة أحيانا ،وكأنني أسافر كل مرة على جناح مجلة العربي إلى دول أخرى واستمتع بأجوائها وثقافاتها ..

كان تحدي القراءة الأول بيني وبين والدي أحضر صندوقاً ضخما من الكتب فبهتت والدتي حين رأته بينما لمعت عيناي بسعادة ولم اهتم للمعركة التي ستدور بعد قليل والتي سيكون مغزاها هو اعتراض والدتي على آلاف الجنيهات التي يضيعها أبي في شراء الكتب وستستشهد حتما بمقولة جدتي وهي “ممتلئة كلها بالورق” وأن الأولاد ربما لا يحتاجون هذه المبالغ الآن ،ولكن في المستقبل ربما يحتاجونها فالأولى أن تخزن في صورة أرض زراعية أو مباني ،علمتني القراءة أن أقدر صمت أبي في تلك المواقف فقد كان بارعاً في إنهاء كل الخلافات بنظرة واحدة لا تتكرر ..

التقطت كتاباً ضخماً عنوانه” محمد الإنسان الكامل” لا أذكر الآن مؤلفه لكنني تراهنت مع أبي أن أقرأه في ليله واحدة فابتسم قائلاً هذه مستحيل الكتاب ضخم ولن تتمكني من فهمه بشكل جيد إن قرأتيه بسرعة فقلت بصوت الصبية الواثقة “سأفعل وستمتحنني فيه” وستعطيني مائة جنيه لأنني فتاة صالحة تقرأ كتاباً صعباً في ليلة واحدة..

أخرج والدي من جيب الصديري خمسمائة جنيه ووضعهم على الطاولة فشعرت أن شيئاً ما قد شق رئتي! فقط كان هذا الرقم عام 92 رقماً كبيراً ولا أدري ماذا سأفعل به إن تفوقت على الوقت وفزت به،أخذت كتابي وجلست بمفردي اقرأ كان كتابا سهل الأسلوب يحكي عن السيرة النبوية وعن أخلاقيات النبي محمد عليه الصلاة والسلام ،لم أنم وظللت طوال الليل اقرأ واكتب الفكرة أو المعلومة التي تدور عنها الفقرات وفي الصباح قرأت ملخصي وذهبت لأبي ليمتحنني ،لن أنسى نظرة الانبهار في عيني أبي وفخره بي وهو يناقشني بينما علقت أمي على الليل الذي لم أنمه وتلك الهالات السوداء التي زينت عيناي.

كانت تلك الخمسمائة جنيه جائزتي الأولى في القراءة شعرت بأنني امتلكت العالم حين قبلها أبي ووضعها في يدي فاقترحت أمي ككل الأمهات أن تدخرهم لي ودخلت في دوامة جديدة ،ماذا سأفعل بهم ليقترح والدي أن أشتري خاتماً من الذهب ليرافقني ويذكرني دائماً بأهمية القراءة..

اتابع بفخر كل التحديات التي تنظمها الجهات العربية للقراءة وأشعر أننا يجب أن ندعمها بكل ما أوتينا من قوة فالقراءة هي ما حولتني إلى كاتبة مجيدة تضج المكتبات برواياتها وقصصها وتزدحم المواقع بمقالاتهاذا أشعر أن كل قارئ لديه نواة كاتب ومثقف تستطيع تلك التحديات أن تنبته ، اعجبني التحدي الثاني لمنصة أبجد وتابعت كل الآراء التي تشجع التحدي والآراء التي تشعر بالعجز أمام النقاط الكثيرة التي يحرزها بعض القراء.

في الحقيقة أنا أعتب على أبجد فقط لإنها أختارت توقيت صعب بالنسبة للقراء العرب، فهو موسم المدارس التي تجني به الأمهات ثمار تعلم أبناءهم ،  وهو موسم التوقيت الشتوي في مصر والذي يقصر به النهار بصورة لا تمنحنا القدرة على الالتفات للخلف ،ولكن على الرغم من ذلك أحيي هذه الجهة التي جعلت من القراءة عادة لكثير من شبابنا وبناتنا ـووفرت كتب كثيرة لا يمكن توافرها بمكان واحد وهيأت كل السبل للتحفيز على القراءة .

 لذا أدعو جميع الجهات الثقافية والتعليمية في الوطن العربي إلى دعم هذا التحدي والمشاركة في احتفالية القراءة الإلكترونية خلال شهر نوفمبر، فهذا الحدث يمثل فرصة لإثراء الثقافة العربية وتعزيز عادة القراءة اليومية. فهي فرصة استثنائية لتعزيز ثقافة القراءة اليومية، وتشجيع القراء على استكشاف مجموعة متنوعة من الأدب العربي المتاح عبر مكتبة أبجد الإلكترونية التي تضم أكثر من 25 ألف كتاب عربي من مؤلفات وترجمات بالتعاون مع أكثر من 180 دار نشر عربية.

#انتهى #