شكّل حفل جائزة الشارقة للإبداع المسرحي العربي، في دورتها السادسة عشرة، يوم الثلاثاء 14 مارس، مناسبةً جميلة لاستحضار جوانب مضيئة في مسار الفنان البحريني المخضرم محمد ياسين، المتوّج بالجائزة، التي تسلمها من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.

في ندوة أدارها الفنان البحريني جمال الصقر، أشار الأخير إلى تفرّد ياسين منذ نعومة أظافره، مبرزاً جرأته في تقديم المونولوجات في الطابور المدرسي وهو لا يزال تلميذاً في الصف الثالث الابتدائي، ونوّه الصقر إلى تنويعات ياسين على عدّة صُعد فكاهياً وتراجيدياً، وحضوره الغزير في تجاربمسرحيَّةمهمة، طعّمها بروح الاحتكاك المستمرّ منذ عمله في الإمارات، سبعينيات إلى مطلع ثمانينيات القرن الماضي.

وحرص الصقر على تثمين مُنجز ياسين الذي ظلّ ولا يزال يتنفس إبداعاً وفناً منذ أزيد من ستة عقود، فمنح الكثير من المسرحيات والمسلسلات التلفزيونيَّة والإذاعيَّة، فضلاً عن حضوره الماتع في الأفلام، ما جعله مصدر فخر كبير محلياً وخليجياً وعربياً.

فيما أعرب الفنان محمد ياسين عن سعادته الكبيرة بالجائزة التي لم تأت من فراغ، وتابع: “مثّلت منذ كنت طفلاً، ومارست المسرح في المدرسة، حتى إنني أتذكر أنأساتذتي في المدرسة كانوا ينادونني ابن ياسين، ويطلبون مني أن أقص قصصاً علىأقراني، فكنت أسألهم هل القصة تنتهي أم لا؟ وكنت أجيب أنّ القصة المستوحاة من الخيال ليست لها نهاية”.

وبالتزامن مع تقديمه عدّة مقطوعات غنائيَّةوفقرات مسرحيَّة، استعاد ياسين بحنين، أداءه للمونولوجات في الطور الابتدائي، مشيراً إلى أنّه جرى بثّ تلك المونولوجات على أمواج الأثير، وأشار إلى انخراطه الباكر في مملكة الحيوانات، إذ تقمصّ شخصيَّة الذئب في الصف الرابع الابتدائي ضمن المسرح المدرسي.

واسترسل ياسين: “عام 1958، كنتفي الصف الخامس الابتدائي، وكنت أقرأ القرآن الكريم بشكل جميل، كما أنّ أستاذي عتيق سعيد هو الذي كان يكتب المونولوجات المغنّاة، فيما قدّم لي الأديب إبراهيم العريض قاموس جيب فرنسياً إنجليزياً، و20 روبية، وقال لي وقتها… عسى أن تكون موفقاً على مسرح الحياة”.

وخاض ياسين في ذكريات الزمن الجميل، حين نال الشهادة الابتدائيَّة التي كان لها ثقل، واهتمامه بقضيتي الجزائر وفلسطين، والتحاقه بمسرح النادي، وتقديمه مسلسلات قصيرة، قبل انتقاله إلى المرحلة الثانويَّة وتمثيله في المسرح الشعبي، وأيام عمله مدرّساً في أبوظبي، ومشاركته في عدّة أعمال، كاشفاً: “كنت أتمنىالمشاركة في برنامج افتح يا سمسم، وفوجئت بتواصل القائمين عليه يعرضون عليّ الانضمام، فأديت دور جاسم صاحب المكتبة في الجزء الثاني منه”.

وأوضح ياسين: “واجهت صعوبة اللغة في برامج الأطفال، لكني حرصت على التحدث بلغة مبسّطة، ثم عدت إلى البحرين عام 1983، وطلبت نقلي إلى التلفزيون لأكمل المسيرة، فقدّمت عدّة مسلسلات وبرامج وأعمال مسرحيَّة، وكان المرحوم أحمد الصالح قريباً إليّ، وأتذكر ما فعله الراحل محمد الجناحي وسلطان الشاعر حين قاما بمقلب حلو ضدي“.

وتطرّق ياسين إلى مسيرته المقتدرة في عالم التحكيم، وامتلائه بالأحلام في البرنامج التربوي “افتح يا سمسم”، وتأسف كثيراً لتوقف هذا البرنامج الراقي الممتاز، ومؤسسة الإنتاج التي كانت تشرف عليه، متمنياً عودته مجدداً، وبتواضع الكبار، قال: “قدمتإلشيء القليل، والبركة في الشباب”، مستطرداً: “زرعت وأثمرت بذوري في الإمارات، نحن نحب ونزرع الحب، والزرع الجميل ينتج ثماراً جميلة”.

في التعقيبات، أشادت زهراء المنصور وأنور أحمد بشخص الفنان محمد ياسين، وأفادا بأنّه “يحب الناس، ويحبونه”، كما نوّها إلى فرادة شخصيَّة “بابا ياسين” التي حازت إعجاب أطفال الأمس، رجال اليوم، وجعلت دراما الأطفال مؤثرة جداً.

بدوره، شدّد د.خليفة الهاجري:”لن نتنازل عن بابا ياسين، فهو الذاكرة الجميلة التي ربّتنا، كان قريباً من قلوبنا غائصاً في أعماقنا، وهو الرجل الطيب الذي يحتضن الجميع”، وأضاف د. يوسف الحمدان: “محمد ياسين يستحق التكريم من زمان، فالمسرح يحيا ويتحرك في قلب هذا الفنان الذي مسرَح التلفزيون بطريقتي الحكواتي والمشخصاتي، وأداؤه الإذاعي الطقسي تجاوز حدود الحكاية”.

وانتهت د.عبير الجندي إلى إكبار شيم الحب والاحتواء والحنان في شخصيَّةالفنان محمد ياسين، ولمسة الوفاء التي عبّر عنها بإهداء الجائزة إلى زوجته الراحلة، وعدت تكريم القامة ياسين، التفاتة راقية لمسيرته الطويلة الزاخرة المتوهجة.