كتب المحلل السياسي حمادة فراعنة
بهذه المفردات الدالة، يمكن تلخيص خطاب رأس الدولة الأردنية، الملك عبد الله، أمام أهم محفل دولي يُعقد سنوياً، في رحاب الأمم المتحدة وقاعتها، بحضور رئيس 76 دولة، تضمن رسالة سياسية بامتياز ممزوجة بإنسانية واضحة، لعلها تصل لمرادها، للمجتمع الدولي، وخاصة للأميركيين والأوروبيين، الذين سبق لهم وأن صنعوا المستعمرة الإسرائيلية على أرض فلسطين، ومولوها، ورحلوا اليهود الأجانب إليها، وقدموا لها مقومات القدرة على التفوق والعدوان، والغطاء السياسي الدبلوماسي لمنع المساءلة والعقاب عنها، رغم حجم الجرائم التي قارفتها بحق الشعب العربي الفلسطيني أولاً طوال عشرات السنين، منذ 1948 إلى اليوم، والشعوب العربية: الأردنيين والمصريين والسوريين واللبنانيين ثانياً، ولم يسلم من شرها الآخرون.
مفردات رأس الدولة الأردنية، وخطابه تناول الدلالات على غياب العدالة عن الشعوب الفقيرة وفي طليعتها الشعب الفلسطيني، معتمداً على الوقائع الحسية:
أولاً: للأمم المتحدة التي تتعرض للتهميش وعدم الاحترام لمكانتها.
ثانياً: لسلوك الإسرائيليين الإجرامي، وما ترتكبه من انتهاكات فظيعة .
ثالثاً: معاناة الشعب الفلسطيني الذي يفتقر للحق في الحياة والحرية والاستقلال.
قدم جلالة الملك قراءة واقعية لحال الأمم المتحدة التي «تواجه أزمة تمس صميم شرعيتها، وتهدد بانهيار الثقة العالمية والسلطة الأخلاقية، كونها تتعرض لهجوم فعلي ومعنوي»، ودلالة ذلك:
1- علم الأمم المتحدة الأزرق المرفوع فوق الملاجئ والمدارس يعجز عن حماية المدنيين من القصف العسكري الهمجي الإسرائيلي المقصود.
2- شاحنات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة تقف بلا حراك، عاجزة عن الوصول إلى أهالي قطاع غزة الذين يعانون الجوع والعطش والمرض.
3- عمال الاغاثة الذين يحملون شعار الأمم المتحدة يتعرضون للمهاجمة والقصف والاعتداء.
4- قرارات محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة يتم تجاهلها، ولا تعطى الاهتمام والاحترام الذي تستحقه، من قبل المستعمرة وأدواتها ومن يدعمها ويوفر لها الحماية، ويدفعها للتمادي رغم مطالبة المحكمة التي وصفت الاحتلال بعدم الشرعية، وطالبت بوقف عمليات التطهير العرقي والإبادة الجماعية.
ولذلك يخلص صاحب الرسالة إلى نتيجة قاسية مؤلمة صعبة، مفادها:
«أن الثقة بالمبادئ والقيم الأساسية للأمم المتحدة، بدأت بالانهيار» والسبب هو أن المستعمرة الإسرائيلية هي فعلياً فوق القانون الدولي، و «أن العدالة الدولية تنصاع للقوة، وأن حقوق الإنسان انتقائية، هي امتياز يمنح للبعض –للمستعمرة- ويحرم منها البعض الآخر –شعب فلسطين» .
سلوك المستعمرة الإسرائيلية، يستعرضها جلالة الملك بالوقائع والأرقام:
1 – سبب العدوان والحرب الهمجية الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول أكتوبر 2013، بأحد أسرع معدات الموت والقتل مقارنة مع الصراعات الدموية الأخرى، وسببت باستشهاد نحو 42 الف فلسطيني، منذ ذلك الوقت إلى اليوم .
2 – وأسرع معدلات المجاعة التي تسببها الحروب.
3 – أكبر مجموعة من الأطفال مبتوري الأطراف.
4 – مستويات غير مسبوقة من الدمار.
وخلاصة ذلك أن المستعمرة في حربها على قطاع غزة: « قتلت أطفالاً وصحفيين وعمال إغاثة إنسانية وطوافم طبية أكثر من أي حرب في التاريخ الحديث» .
أما في الضفة الفلسطينية، منذ 7 تشرين أول أكتوبر 2023، قتلت المستعمرة:
1 – أكثر من 700 فلسطيني، منهم 160 طفلاً.
2 – اعتقال أكثر من عشرة الاف و700 فلسطيني، منهم 400 إمرأة و730 طفلاً.
3 – تهجير أكثر من 4 آلاف فلسطيني من بيوتهم وأراضيهم، وتم تهجير قرى بأكملها بسبب عنف المستوطنين المستعمرين بحماية جيش الاحتلال ودعمه.
وفي القدس الشريف:
لا تزال الانتهاكات الصارخة للوضع التاريخي والقانوني لدى المقدسات الاسلامية والمسيحية مستمرة بلا توقف بحماية وتشجيع أعضاء حكومة المستعمرة الإسرائيلية.
ويلخص الخطاب الأردني أمام الجمعية العامة للامم المتحدة إلى أن «من الغريب أن يتساءل كثيرون: كيف يمكن لهذه الحرب ألا تُعد استهدافاً متعمداً للفلسطينيين؟».
ولذلك طالب المجتمع الدولي: «بضمان حماية الشعب الفلسطيني، ويحتم الواجب الاخلاقي تبني آلية لحمايتهم في جميع الأراضي المحتلة»، لأن غياب هذه الحماية بل وحصولها للإسرائيليين دون سواهم جعل حكوماتهم المتعاقبة تتمادى في التجاوزات والجرائم.
ومن أجل تخفيف المعاناة عن الفلسطينيين دعا جلالة الملك «جميع الدول للانضمام للأردن إلى فرض بوابة دولية للمساعدات الانسانية إلى غزة كجهد إغاثي لايصال الغذاء والمياه النظيفة والدواء وغيرها من الاحتياجات الضرورية لمن هم في أمس الحاجة إليها» .
رأس الدولة الأردنية: حث أعضاء الأمم المتحدة للعمل الحثيث لحماية هذه المؤسسات لأهميتها، وشكل من خطابه أمام الجمعية العامة محاكمة للمستعمرة الإسرائيلية، مثلما شكل رافعة داعمة مساندة للشعب الفلسطيني على طريق حمايته، وإنهاء معاناته، ونيل حقوقه، وتخليصه من الظلم والاحتلال.
#أنتهى#