دبا الحصن تضيء التراث الشعبي في أيام الشارقة التراثية

على مشارف ضفافها الجميلة، وفي ضيافة أهلها الأصايل ، وبين ربوعها الكريمة الوادعة، قص الشيخ سعيد بن صقر بن سلطان القاسمي نائب رئيس مكتب سمو حاكم الشارقة في مدينة خورفكان شريط الإحتفال إيذاناً بانطلاقة باهرة لفعاليات الدورة 20 لمهرجان أيام الشارقة التراثية في دبا الحصن، وذلك بحضور سعادة الدكتور عبد العزيز المسلم رئيس معهد الشارقة للتراث رئيس اللجنة العليا لأيام الشارقة التراثية.

وتزينت أرض الفعاليات التي جرت ايضاً بحضور سعادة أحمد عبد الله بن يعروف النقبي رئيس المجلس البلدي لمدينة دبا الحصن، وأعضاء المجلس البلدي في مدينة دبا الحصن ومديري ومنتسبي الدوائر المحلية والحكومية وأهالي دبا وضيوفهم من مختلف إمارات الدولة برامج حافلة توزعت بين عشرات الفقرات التي قدمتها الفرق الشعبية، والفعاليات المصاحبة، ومبادرة متاحف على الطريق، والمقهى الثقافي، وقرية الطفل، والألعاب الشعبية، وبرنامج المسرح.

فرقة العوايد الحربية بقيادة الشاعر الإماراتي محمد اليرواني الشحي اضافت أجواء مليئة بالفخر والإعتزاز خلال تقديمهم فقرات الفنون الشعبية والتراثية الإماراتية، حيث قدموا لوحات اصيلة عدة بينها: “الرزيف” و”اليولة”على إيقاعات أطربت الحاضرين، فقابلوها بالتصفيق والتحية والإعجاب.

ولاشك أن للظهوريين نصيبهم من هذه الفعاليات التراثية المتميزة، حيث قدموا مجموعة من الأغاني المصحوبة بالرقصات الشعبية والألحان القديمة التي ألهبت حماس الحاضرين بحركاتهم الرشيقة، وأصداء أصواتهم التي زادها دوي إيقاع الطبول إثارة وتفاعلاً لافتاً.

وفي الجلسة اليمنية تعرف الحاضرون إلى مجموعة من فقرات التراث اليمني، تلاها فقرات عدة عن الفلوكلور في رومانيا، وهو ما اثار إعجاب الجمهور وعزز معلوماتهم التراثية عنها، كما تضمنت الفعاليات المصاحبة مسابقة التجديف التي أقيمت على الضفاف الجميلة لدبا الحصنتذكيراً للحاضرين بماضي هذه المدينة التي تعشق البحر، وكان ذات يوم مصدر رزقها الأساسي، وعلى ضفافه كتب الإنسان الإماراتي ذكرياته ومشاعره.

فقرة الليلام، أو البائع المتجول، كانت من أبرز فقرات الحفل، فقد كان من أشهر باعة ذلك الزمان (ببقجته) أو (صرته) التي تواري فيها أجمل البضائع التي يتهافت عليها الأطفال والنساء اللواتي كن يعتمدن عليه في جميع مقتنياتهن حتى اختفى في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، في ظل انتشار وسائل النقل وكثرة الباعة، وصار من تراث الماضي الجميل.

إدارة المهرجان لم تكتف بالفعاليات الأرضية والبحرية التي قدمتها للجمهور وإنما توجهت نحو السماء لتقيم فعالية الطيران الشراعي التي أظهرت براعة الطيارين، وابهجت الحاضرين، كما شهدت أرض الفعاليات عرضاًللخيول العربية الاصيلة، وأنواعها، وفيقرية الطفل شارك الحاضرون بورش منوعة، ومسابقات ذات طابع تراثي، وحكاوي (قصص)، والرسم على الوجه، واللقاء بالشخصيات الكرتونية المحببة.

وضمت فعالية الألعاب الشعبية مجموعة من الفقرات التراثية التي تذكر بالماضي والحنين إليه، كما شهد المسرح فقرة لفرقة العوايد الحربية بعنوان (الفن العازي)، وفقرة (ياغافتي) بمنى يعروف، ومحمد رشود، ثم قدم طالب البلي فقرات غنائية بعنوان (النهمة البحرية) ليسلط الضوء للحاضرين على طبيعة الغناء الذي كان معروفاً عند البحار الشعبي الإماراتي والخليجي، حيث يلجأ اليه للحث على العمل، والترفيه عن النفس، بالحان عذبة، وكلمات شيقة، تلا ذلك رقصات شعبية للأطفال، وعرض للألعاب الشعبية، وفقرة الفن البحري (ها يالله).

هذا وتستمر فعاليات أيام الشارقة التراثية في مدينة دبا الحصن لغاية يوم السبت 18 من مارس الحالي، حيث وعدت إدارة الفعاليات الجمهور بتقديم المزيد من الفقرات المتميزة، والفعاليات السارة التي تنسجم مع تطلعات الشارقة التراثية، وتعبر عن الإعتزاز بالجدور والقيم الوطنية لأهلها الاصلاء.

في محاضرة أكاديمية نظمتها “أيام الشارقة التراثية”

بوخش يستعرض روائع مواقع التراث الثقافي العالمي

في محاضرة أكاديمية حضرها جمهور كبير من المهتمين بالشأن التراثي العالمي، استضاف متحف بيت النابودة وضمن فعاليات الدورة العشرين لأيام الشارقة التراثية المهندس رشاد محمد بوخش رئيس جمعية التراث العمراني في الإمارات ورئيس فرع المجلس الدولي للمتاحف في الدولة.

تحدث المحاضر في الجلسة التي أدارها الدكتور صابر يحيى مرزوقي الأستاذ المشارك في معهد الشارقة للتراث حول روائع التراث الثقافي العالمي، مبينًا كيف نجحت دول العالم ومن ضمنها دولة الإمارات في تسجيل تراثها وتوثيقه وحفظه للأجيال الحاضرة والقادمة.

وعرف بوخش الحضور بمفهوم التراث العالمي، وأهمية تسجيل عناصر التراث الثقافي المادي وغير المادي على قائمة اليونسكو، وبما يحقق الاعتراف الدولي المطلوب لهذه المواقع والعناصر، ويضمن توفر الحماية الدولية لها باعتبارها ركائز مهمة في قوائم التراث الإنساني.

كما أكد المحاضر على أن تسجيل العناصر الثقافية على المستوى العالمي يصب في جهود تعزيز الهوية الوطنية وعادات وتقاليد المجتمع المحلي والمحافظة على التراث الشفهي، فضلاً عن الآثار الاقتصادية الإيجابية التي يمكن اكتسابها من خلال عملية التسجيل، وزيادة مستوى الإقبال السياحي الثقافي إلى تلك البلدان.

وتطرق المهندس بوخش إلى بعض التواريخ والمحطات المهمة في مسيرة محافظة دول العالم على مواقعها وعناصرها الثقافية العالمية، مستعرضًا أهم المعايير المطلوبة لتسجيل المواقع الثقافية أو الطبيعية على قوائم اليونسكو، حيث يجب أن تكون مواقع ذات قيمة استثنائية عالمية من حيث الشكل والتصميم والمادة والجوهر والاستعمال والوظيفة، فضلاً عن معايير السلامة والأصالة والحماية والإدارة والدراسات المقارنة للممتلك بغيره من الممتلكات المشابهة، ووجود منطقة فاصلة حول الممتلك وغيرها من الشروط.

وفي نهاية المحاضرة، تم استعراض مجموعة واسعة من مواقع التراث العالمي المسجلة على قوائم اليونسكو، وشملت العديد من الدول العربية والأجنبية ومن مختلف قارات العالم.

ضمن فعاليات أيام الشارقة التراثية

البوم والشعر النبطي والأهازيج.. من إبداعات الموروث الشعبي في الخليج

ناقشت جلسة ثقافية نظمها المقهى الثقافي ضمن فعاليات أيام الشارقة التراثية عدة نماذج من ملامح الإبداع في الموروث الشعبي المحلي والخليجي، وشارك فيها كل من الدكتوروليد حميد السيف من دولة الكويت الشقيقة، والباحث الشاعر سالم الزمر، والباحث التراثي جميع الظنحاني.

أدار الجلسة التي عقدت في متحف بيت النابودة في ساحة التراث، الأستاذ محمد حمدان من إدارة المحتوى والنشر في معهد الشارقة للتراث.

الإبداع قرين الجديد

بدأ الدكتور وليد حمد السيف، مداخلته بالتعريف بالإبداع بأنه ابتكار أو فكرة ذات قيمة لم يسبق لها مثيل، مع ضرورة أن يكون ناتج تنفيذ ذلك منتجًا أو خدمة جديدة أو تحسينهما أو تخفيض تكلفتهما، مع ضرورة أن يقدم العمل الإبداعي منتجًا مقبولاً اجتماعيًا وقادرًا على حل مشكلة ما منطقياً، أو التعامل مع الأشياء المألوفة بطريقة غير مألوفة، وغيرها من التعريفات.

وتحدث السيف عن السمات الأساسية لعملية الإبداع والتي يتمثل أهمها في المرونة والانفتاح في البحث عن الحلول للمشكلة، والفضول الشديد في الاستكشاف والخيال الواسع في الوصول إلى الحلول، والإيجابية التي تنظر للعالم بفضول وتبحث عن الحلول، والدافع القوي الذي لا يعرف الإحباط أو الملل، أو الشجاعة التي لا تعرف القلق أو الخوف من الفشل.

وتطرق المحاضر إلى تعريف التراث الثقافي غير المادي بحسب اتفاقية اليونسكو لعام 2003، كما أورد عددًا من مجالات هذا التراث وبما يشمل التقاليد وأشكال التعبير الشفهي، وفنون وتقاليد أداء العروض، والممارسات والطقوس والاحتفالات الاجتماعية، والمعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون، والمهارات المرتبطة بالفنون والحرفية التقليدية.

البوم.. إبداع كويتي أصيل

واختتم السيف ورقته بعرض بعض النماذج الإبداعية من التراث الثقافي الكويتي، ومن ذلك، صناعة السفن ولا سيما سفينة البوم التي تمثل مظهرًا من الإبداع الكويتي الخاص باعتبارها كانت من أسرع السفن في الخليج وقادرة على نقل حمولات كبيرة من التمور وغيرها، فضلاً عن الغوص والسفر التجاري الشراعي وأدوات صيد الأسماك، وفي الحياة البدوية ذكر حياكة السدوة وغيرها من الفنون التي ارتبطت بالأعراس الشعبية والمناسبات الوطنية.

نظريات حول الإبداع

في حين جاءت ورقة سالم الزمر حول الإبداع في الشعر النبطي الإماراتي، حيث قدم بدوره تعريفات عدة للإبداع ومفهومه، ثم انتقل للحديث عن علاقة الإبداع بالشعر النبطي الإماراتي القديم، ودور الشاعر الماجدي بن ظاهر في نظم الشعر بلغة بديعة المعاني والمفردات، مشيرًا إلى استخدام أهل الإمارات الأوائل كلمة (بِدع) وإطلاقها على آباء المياه.

وأوضح الزمر بأن الفلاسفة منذ فجر التاريخ وضعوا نظريات كثيرة للإبداع، فبعضهم رأى الإبداع نتاج البيئة الخارجية أو صادرًا من الإلهام أو مكتسبًا عن طريق الوراثة أو ثمرة للخيال أو الواقع أو نابعًا من الأساس النفسي أو نتيجة السعي لتحقيق الذات، أو خاضعًا لقوانين الطبيعة ومتأثرًا بها.

واعتبر الزمر أن الإبداع منذ القدم يقوم على تجربة الإنسان ومسيرة حياته الدينية والدنيوية، ومن ثم هو ذوق عام وخاص يتأثر بتراكم الخبرات والجينات والتجارب، وناتج عن ثقافة المجتمع والتجمعات البشرية.

الشعر الشعبي مصدر تاريخي موثوق

وتحدث المحاضر عن علاقة الشعر بالإبداع، لافتًا إلى أن الشعر الشعبي مصدر التراث والوثيقة الأكثر موثوقية في رصد تاريخ المنطقة وشعوبها، وأن الإبداع في الشعر يتجسدفي مفهومين أحدهما واسع باعتباره خروجًا عن المألوف، والثاني ضيق باعتباره الإتيان بشيء جديد لم يسبق إليه، ومن ذلك ظهور الأراجيز القصيرة والتغاريد في الشعر النبطي، ثم القصائد والمطولات والمسمطات والموشحات والمخمسات والمسبعات، وصولاً إلى الشعر الحديث المفعل منه والمرسل المنثور.

وأعرب الزمر عن استغرابه من إدخال لفظ (النبطي) إلى الشعر عند أهل الجزيرة، فهي تسمية جديدة لم تكن متداولة قديمًا لدى أهل المنطقة، وذكر أن البعض يعزو أصلها إلى أنباط العرب وآخر إلى أنباط العجم في العراق.

إبداعات المايدي والخضر

واختتم المحاضر حديثه باستعراض نموذجين من أعمق وأشهر نماذج الإبداع في الشعر النبطي الإماراتي وأكثرها ثراءً، حيث تناول في الأول تجربة وملامح الإبداع في قصائد الشاعر الماجدي بن ظاهر الذي اعتبره من شعراء معلقات الشعر النبطي الإماراتي، وفي الثاني استعرض التجربة الإبداعية في الشعر لدى راشد بن سالم الخضر، والذي يرتكز الإبداع لديه في تخيره للألفاظ الفصيحة، واستخدامه للحواريات في شعره، واعتماده على تراكيب جديدة تستند إلى الترادف والتكرار غير الممل.

أهازيج خالدة

وأما الأستاذ جميع الظنحاني فتحدث عن الأهازيج الشعبية الإماراتية التي مارسها الرجال والنساء في حياتهم اليومية، وتم تناقلها عبر الأجيال وبقيت خالدة على الصعيد المحلي والخليجي والمجتمعات الأخرى دون معرفة قائلها أو مصدرها، لأنها كانت وليدة الموقف أو الحدث. وهي تمثل مظهرًا من مظاهر الإبداع، متعدد الأنماط والقوالب من حيث الشعر والنثر، داعيًا إلى ضرورة العمل على جمعها وحفظ مفرداتها المحلية نظرًا لقيمتها الأدبية والفنية والتاريخية.

وأوضح الظنحاني أن هذه الأهازيج في الغالب أبيات شعرية تعد على وزن متناغم دون اشتراط القافية في الصدر والعجز، وكان تهدف إلى إثارة العبرة والحكمة وإثراء روح التعاون خلال العمل والتحفيز والتدبير والحماس أثناء النشاط الحركي والمنافسة والتسلية وأحيانًا تعبر عن دهاء قائلها ومكره.

وفي هذا السياق، عدد المحاضر بعض الأهازيج بحسب دلالاتها واستخداماتها بحسب البيئة البحرية أو الجبلية أو الزراعية أو البدوية، ومنها الأهازيج التي ارتبطت بحرفة قلادة الحبال، وتحميس القهوة، ودق وطحن الحبوب، وخض اللبن، وخلال عمل الحناء، وأهازيج المريحانة، وأثناء ترديد المهاواة (التهويدة) لكي ينام الطفل الصغير، وغيرها.