في إنجازٍ ثقافي جديد يضاف إلى مسيرتها  الثقافية المضيئة ، نجحت هيئة الشارقة للكتاب في تنظيم الدورة  الرابعة والأربعين من معرض الشارقة الدولي للكتاب لعام 2025، مؤكدةً مجدداً مكانة هذا الحدث كأحد أبرز المعارض الثقافية في العالم العربي ، وواحد من أكبر التظاهرات الأدبية على مستوى العالم.

تحت شعار “بينك وبين الكتاب”، تحوّلت أروقة المعرض في  مركز إكسبو الشارقة إلى احتفالية  عالمية  بالكلمة، ومهرجانٍ للفكر والإبداع والمعرفة ، يجمع بين الشرق والغرب على أرضٍ واحدة، تفيض بالضوء والإلهام.

مدينة من الحروف والضوء.

منذ اللحظة الأولى لدخولك أروقة المعرض، تشعر وكأنك تخطو إلى  مدينة نابضة بالثقافة فالأضواء تتلألأ، واللافتات تهمس بلغاتٍ متعددة، والكتب تلّون المكان بأغلفتها وعناوينها، فتتشابك الحروف في لوحةٍ بديعة تُجسّد روح الشارقة ، مدينة الكتاب والحلم.

في هذا العام، حلّت  اليونان ضيفة شرف مميزة  ، لتقدّم  لجمهور المعرض تجربة ثقافية  تستحضر عبق التاريخ القديم في بوتقة  الفلسفة الإغريقية العتيقة  ،لتربط بين الفكر الكلاسيكي وروح المعاصرة ، في مشهدٍ يُجسّد عمق الحوار الإنساني والتبادل الثقافي الذي تتفرّد به الشارقة.

فعاليات متنوعة نابضة بالحياة

لم يكن المعرض مجرد مساحةً  عرضت فيه  الكتب بتنوع موضوعاتها ، بل كانت عرساً ثقافياً نابضاً بالحياة ، واحتضن  أكثر من 1200 فعالية بين ندوات فكرية، وورش عمل  فنية، وعروض أدبية ومسرحية ، توزّعت بين  أركانه لتمنح الزائر رحلةً لا تُنسى بين الفكر والجمال والإبداع .

ولعلّ من أكثر الفعاليات جذباً للزوار، تلك الورش الإبداعية المتخصصة للأطفال ، التي جمعت بين التعليم والمرح والترفيه بأسلوبٍ مبتكر. حيث تنقّل الصغار بين “مكتبتي الصغيرة” التي تُغرس فيها محبة  القراءة ، و”المقهى الصغير” الذي يعرّفهم على عالم التجارب  والعمل ، وورش “اصنع إطارك بنفسك”، و”ابنِ بيتك الخاص” التي تُنمّي الحس الفني والخيال. أما “مغامرات المدينة الصغيرة”

فقد أتاحت لهم أن يعيشوا تجربة المجتمع بأدواره المتنوعة في عالمٍ مصغّر من الإبداع والدهشة.

وكانت ضحكات الأطفال وفضولهم تملأ المكان، وقد تألق ركن مسرح الطفل و” مختبر العلوم الممتعة” بتجارب علمية مبسطة قُدّمت بأسلوب ٍ شيّق، لتصبح تلك الورش مدرسةً مصغّرة للخيال ، تعبّر عن رؤية الشارقة الثقافية  في بناءٍ جيلٍ يقرأ ويتعلّم ويبتكر بتوجيه من الأب المعلم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقه “حفظه الله “.

ومن بين الأنشطة المميّزة التي أثارت إعجاب الزوار، تجربة  “صيدلية الشعر”، التي منحت الحضور”وصفات شعرية” تمسّ المشاعر وتلهم الأرواح  ببحور الشعر في إطار معالج بالكلمة ، إلى جانب “محطات البودكاست التفاعلية” التي فتحت المجال أمام الجمهور لبث  أفكارهم الثقافية الحيّة من قلب الحدث إلى العالم مباشرة .

روح الثقافة والتفاعل الإنساني

لم يقتصر المعرض على الأنشطة الموجّهة للصغار، بل شهدَ ندواتٍ حوارية جمعت نخبة من الكتّاب والمفكرين، وورشاً في الأدب والفن والسينما ، إلى جانب عروضٍ مسرحية أبرزها عرض “جريمة في المجلس”، الذي استلهم أدب الغموض بأسلوبٍ ممتع ومشوّق. كما أتيح للزوار  لقاء مؤلفيهم المفضلين، وحضور حفلات  توقيع للكتب بأنواعها  في أجواءٍ ثقافية مليئة بالصخب الثقافي التفاعلي .

في هذه الدورة كانت روح التنافسية  بين المثقفين والجمهور لمتابعة الفعاليات صاحبة الموقف  الذي  اتسم بطابع إنساني الذي  عمّ المكان، فالمعرض لم يكن حدثاً ثقافياً فحسب، بل كان جسر عبور لكافة العلوم والمعارف العلمية بأنواعها في حوار الثقافات العالمية  ، وتجربة ً يعيشها الزائر بكل حواسه، حيث يمتزج التعلم بالدهشة والمعرفة بالمتعة.

الشارقة منارة الثقافة والتجدد

وكلمة حق تقال بفضل الله ثم  جهود هيئة الشارقة للكتاب ورؤيتها الثاقبة المستمرة ، أثبتت إمارة الشارقة من جديد بأن الثقافة ليست حالة عابرة ، بل هي  أسلوب حياة متجذرة في رأس الهرم لراعي الثقافة “سلطان القلوب”، حيث تُغرس بذورها  في قلوب الأطفال  منذ نعومة أظفارهم ليقبلوا على حب  القراءة ويوثق  الكبار صلتهم بكتاب الله الذي علم الإنسان ما لم يعلم   في زمنٍ تتسارع فيه الحياة الرقمية  والمعاصرة.

إن زيارة المعرض ليست مجرد جولة بين الرفوف وإنما رحلة فكرية وروحيّة تُغذي العقل وتنير الروح . فتتحول كل زاوية إلى حكاية، وفي كل كتاب إلى رسالة، وكل جناح حلمٌ جديد يولد بين الصفحات .

ولم يكن النجاح ليكتمل دون الجهود المخلصة للفرق التطوعية  المشاركة، الذين أضفوا على الحدث روح الحماس والتعاون الأمثل  ، وساهموا في تقديم تجربة تطوعية  سلسلة وممتعة للزوار من جميع الأعمار.

نبارك لهيئة الشارقة للكتاب  تسجيل قصة نجاح ملموسة للدورة الحالية ونثمن جهود فريق عمل معرض الشارقة الدولي للكتاب المتميّز الذين بذلوا جهودهم بكل تفانٍ لنجاح وإبراز هذه الدورة كحدث ثقافي ملهم، لتبقى الشارقة منارة للثقافة والفكر والإبداع ، لها تأثير إيجابي  ليس فقط على مستوى  العالم العربي، وإنما متصدّرة المشهد الثقافي على المستوى الإقليمي العالمي .

-انتهى-

By Sahar Hamza

أديبة وكاتبة قصص أطفال ومؤلفة كتب متنوعة بحثية ودراسية ذات موضوعات اجتماعية ومؤلفة سلسلة روايات حكايات امرأة صدر للكاتبة سحر حمزة خمسة دواوين شعر منها رسائل للقمر وصباح الخير يا وطن وقصائد للنساء فقط أوتار قلب وصباح الخير يا غزة وفازت روايتها سيدة الليلك كأفضل رواية صدرت عام 2009 حول المرأة ولديها كتب قيد الإصدار منها الرجل العجيب ودفن حيا وعلى أعتاب النهر الخالد