الكاتب الفلسطيني سمير حاج

تحليل لرواية الكاتبة الفلسطينية نوال حلاوة “السيدة زبيدة “

استغوار وقائع النكبة الفلسطينيّة، مِنَ أفواه النساء اللواتي اكتوَيْنَ بنارها، وتدوينها في قالب حكايات ومذكرات طفولية، هو مشروع مهم في كتابة الرواية الشفوية، من بؤرة المرأة المُغيّبة في مجتمعها الذكوري. وهو يندرج ضمن الاحتفاء بسرديات المرأة الفلسطينية على غرار «البحث عن فاطمة» (2000) لغادة الكرمي. هذا الصوت الجديد المشروخ بوجع التغريبة الفلسطينية، يحمل رؤية المرأة ومفهومها الكارثيّ للنكبة، التي عاشتها بتفاصيلها الصغيرة وتداعياتها اللامتناهية، بعيدا عن رؤية الكتابة التأريخيّة الأكاديمية، التي احتكرها أكاديميون وسياسيون يحملون رؤية ذكورية. و«الست زُبيدة» (2015) ـ المؤلّفة من 365 صفحة، ذات الغلاف المزيّن بصورة امرأة فلسطينية (اليافاوية) للفنان الفلسطينيّ جميل بدوان، صاحب أكبر لوحة زيتية في العالم، هي سيرة ذاتية لنوال حلاوة، كما أنّها سيرة مكان لمدينتيْن، يافا ونابلس قبل وإبان النكبة، يافا التي ولدت فيها الكاتبة ونابلس التي انتقلت إليها عام 1948، وهي سيرة جمعية للفلسطينيين الذين اقتلعوا من وطنهم.
تتكئ هذه السردية، على استقراء حكايات أمّها المنهالة من ذاكرة خصبة، والمسكونة بالحسرة والألم لفقدان البيت وخرابه، كما أنّها مفعمة بحنين رومانسيّ وبلوحات شاعرية إلى الطفولة المتروكة، في مدينة يافا – المكان الذي سُلخت عنه. السّرد مُترع بالنوستالجيا والمرارة معا «أصبحت مدمنة على سماع أمي التي كان يحلو لها سرد ذكرياتها الجميلة، والمثخنة بالجراح وهي تصف مدينة يافا، المدينة التي عاشت فيها أسعد أيام حياتها، كنت أحث أمي على المزيد منه، فيمتد بنا الوقت دون أن نشعر».
هذا التهافت في السنوات الأخيرة، في كتابة وأرشفة السيرة الذاتية الفلسطينية، بشغف ودوافع ذاتية وبأصوات نسوية، تُسرد من غُرف مغلقة، يشكّل خِزانة ثقافية في الحفاظ على الهوية ولملمة الذاكرة الجمعية والشهادات، خوفا من المحو والتلاشي والاندثار «كنت أشاركها الحديث، وأسمع ذكرياتها الساحرة التي كانت تعيدني إلى مرابع طفولتي الغضة في يافا الحبيبة، كنت أتمتع بمخزونها الهائل وأسجله في عقلي، وأحيانا على شريط كاسيت».
إنّ أحداث هذه السيرة، تنهال من مخزون ذاكرة الطفولة، حيث ُ تعود السّاردة إلى بيتها في يافا مرتيْن، قبل النكبة حين كان عامرا بأهله، ومرة أخرى حين زارته بعد النكبة بعقود، فور حصولها على الجواز الأجنبي، فوجدته خرابا «كل ما رأيته عن بعد كان صمتا وخواء وخرابا، بيتي الجميل أصبح متآكلا، نوافذه مغلقة وشرفته التي نمت فيها مع إخوتي لنشاهد المسحراتي وهو يطرق بطبلته ويصيح بصوته الجهوري: اصحى يا نايم.. وحد الدايم».

تتكئ هذه السردية، على استقراء حكايات أمّها المنهالة من ذاكرة خصبة، والمسكونة بالحسرة والألم لفقدان البيت وخرابه، كما أنّها مفعمة بحنين رومانسيّ وبلوحات شاعرية إلى الطفولة المتروكة، في مدينة يافا – المكان الذي سُلخت عنه

سرابية المنفى والتعلّق بالمكان

السردية مسكونة بوجع النفي والشتات، فهي تدين الذات بفعل الخروج من الوطن، رغم الاقتلاع والنفي القسريّ، وتمجّد الباقين في ديارهم «أيقنت منذ الصغر أن نكبتنا كانت في خروجنا من ديارنا، وكنت دائما وما أزال أحيي من أعماق فؤادي من بقي صامدا على أرض فلسطين، خاصة بعد أن تعرفت على بعضهم عن قرب، وجدت فيهم من افتقدته خلال سنوات الشتات، لم يتخلوا عن فلسطينيتهم، وعاداتهم التي بقيت حية بتراثها الغني والأصيل». مع أنّ الكاتبة تشير إلى سلخ وقلع وتهجير الفلسطينيين من بيوتهم بالسلاح والترهيب والذبح، فمجزرة دير ياسين «المذبحة في 9 إبريل/نيسان 1948 أسهمت في تفريغ البلاد من أكثر من 650 ألف عربي».
لقد كتب إدوارد سعيد في «تأملات حول المنفى» عن حياة المنفى: «غير أنّ من المنطقي القول إنَّ عالم المنفي الجديد هو عالم غير طبيعيّ يشبه اللاواقعية التي يتّسم بها عالم القصّ والتخييل» ووفق منظوره «النفي يجرّ إلى خراب».. إنَّ نفس الكاتبة مصدّعة ومشروخة، رغم اغترابها عقودا، ما زالت متعلّقة روحيًا ببيتها، مستودع أحلام طفولتها وذكرياتها.

إنَّ الجانر «رواية» المنقوش على صورة الغلاف، لا يُمَوضِع هذه السردية تحت جانر رواية بالمفهوم الفنيّ المعماريّ الروائيّ، إنّما ينسحب عليها توصيف «سيرة».

هذا التعلّق تنسحب عليه نظرية غاستون باشلار في جماليات المكان وسيكولوجيته، لأنّه ارتسم في مخيلتها بيت الطفولة الهانئة. وهي تتذكّره بتفاصيله، كما تتذكّر رموزًا يافية مثل مطعم «أبو العافية» و«الكلحة» و«حي النزهة»
و«موسم النبي روبين». إنَّ التعلّق بالمكان المسروق، موصوف بخلجات عاطفية، فالكاتبة تستذكر عشق أمّها ليافا. «ولم تنس أمي يافا وكانت تذكرها باستمرار، وكانت عاشقة للبحر مثلي، تغني له أغنية ليلى مراد الشهيرة: «أحب اتنين سوى المي والهوا… يا هناي بحبهم». وهي كذلك تحمل حنينا لمدينتها يافا، «رغم سلخي عن حبيبتي يافا، منذ النكبة الفلسطينية، فإنني ما زلت أحن إلى بحرها وسمائها وياسمينها وليمونها وبرتقالها الشهير. ورغم تراكم السنوات على ذاكرتي، وابتعادي الساحق عن مرتع طفولتي، ورغم تنقلي الدائم بعيدا عن محيطها وهوائها وفضائها، فإنني ما زلت أتذكر بأدق التفاصيل بيارة البرتقال المهجورة، التي كانت تقع أمام بيتنا الجديد في حي النزهة».
إنَّ الجانر «رواية» المنقوش على صورة الغلاف، لا يُمَوضِع هذه السردية تحت جانر رواية بالمفهوم الفنيّ المعماريّ الروائيّ، إنّما ينسحب عليها توصيف «سيرة». كما أنّها تحوي سردا يخرج من دائرة السيرة إلى النقد والحشو الاجتماعيّ، مثل آراء في نقد عادات وتقاليد ذكورية في الزواج، وإقصاء المرأة والبنت عن التعليم، والزج بهنّ في أعمال الخدمة وتصوير تعالي المجتمع المدني على المجتمع القرويّ قبل النكبة، وزيارات الأكاديمي الفلسطينيّ إبراهيم أبو لغد إلى مدينته يافا ودفنه فيها، وإدراج خواطر شعرية للكاتبة ومواضيع حميمية خاصّة بالكاتبة، رُغم ما تحمله هذه الموضوعات، من فكر تنويريّ ونقد لاذع للمجتمع وتمرّد، من حيث انعدام الوعي والتثقيف الجنسيّ، إلا أنّها تشكّل إقحاما لسردية هذه السيرة ذاتية وتخلخل بنيانها. كما تنعدم فيها التراتبية وتطغى عليها الوجدانية والرومانسية الحالمة، مثل زجّ رسالة شوق إلى يافا داخل قنينة ورميها في البحر لتصل يافا. رُغم هذه الهنات التكنيكية، تشكّل هذه السردية مِدماكا في بنيان أرشفة الذاكرة الفلسطينية بفرحها وفجائعيتها.. إنّها صوت وجع المنفى في استنطاق ومخاطبة المكان المسروق.. كما تحمل سمات أدب المنفى عامةً المسكون بسيمفونية التغريبة المترعة بالحنين والوجع.

#كاتب فلسطيني#

قراءة خاصة لرواية العنكريزية للناشطة نوال حلاوة

بقلم:غريب عسقلاني

استغوار وقائع النكبة الفلسطينيّة، مِنَ أفواه النساء اللواتي اكتوَيْنَ بنارها، وتدوينها في قالب حكايات ومذكرات طفولية، هو مشروع مهم في كتابة الرواية الشفوية، من بؤرة المرأة المُغيّبة في مجتمعها الذكوري. وهو يندرج ضمن الاحتفاء بسرديات المرأة الفلسطينية على غرار «البحث عن فاطمة» (2000) لغادة الكرمي. هذا الصوت الجديد المشروخ بوجع التغريبة الفلسطينية، يحمل رؤية المرأة ومفهومها الكارثيّ للنكبة، التي عاشتها بتفاصيلها الصغيرة وتداعياتها اللامتناهية، بعيدا عن رؤية الكتابة التأريخيّة الأكاديمية، التي احتكرها أكاديميون وسياسيون يحملون رؤية ذكورية. و«الست زُبيدة» (2015) ـ المؤلّفة من 365 صفحة، ذات الغلاف المزيّن بصورة امرأة فلسطينية (اليافاوية) للفنان الفلسطينيّ جميل بدوان، صاحب أكبر لوحة زيتية في العالم، هي سيرة ذاتية لنوال حلاوة، كما أنّها سيرة مكان لمدينتيْن، يافا ونابلس قبل وإبان النكبة، يافا التي ولدت فيها الكاتبة ونابلس التي انتقلت إليها عام 1948، وهي سيرة جمعية للفلسطينيين الذين اقتلعوا من وطنهم.
تتكئ هذه السردية، على استقراء حكايات أمّها المنهالة من ذاكرة خصبة، والمسكونة بالحسرة والألم لفقدان البيت وخرابه، كما أنّها مفعمة بحنين رومانسيّ وبلوحات شاعرية إلى الطفولة المتروكة، في مدينة يافا – المكان الذي سُلخت عنه. السّرد مُترع بالنوستالجيا والمرارة معا «أصبحت مدمنة على سماع أمي التي كان يحلو لها سرد ذكرياتها الجميلة، والمثخنة بالجراح وهي تصف مدينة يافا، المدينة التي عاشت فيها أسعد أيام حياتها، كنت أحث أمي على المزيد منه، فيمتد بنا الوقت دون أن نشعر».
هذا التهافت في السنوات الأخيرة، في كتابة وأرشفة السيرة الذاتية الفلسطينية، بشغف ودوافع ذاتية وبأصوات نسوية، تُسرد من غُرف مغلقة، يشكّل خِزانة ثقافية في الحفاظ على الهوية ولملمة الذاكرة الجمعية والشهادات، خوفا من المحو والتلاشي والاندثار «كنت أشاركها الحديث، وأسمع ذكرياتها الساحرة التي كانت تعيدني إلى مرابع طفولتي الغضة في يافا الحبيبة، كنت أتمتع بمخزونها الهائل وأسجله في عقلي، وأحيانا على شريط كاسيت».
إنّ أحداث هذه السيرة، تنهال من مخزون ذاكرة الطفولة، حيث ُ تعود السّاردة إلى بيتها في يافا مرتيْن، قبل النكبة حين كان عامرا بأهله، ومرة أخرى حين زارته بعد النكبة بعقود، فور حصولها على الجواز الأجنبي، فوجدته خرابا «كل ما رأيته عن بعد كان صمتا وخواء وخرابا، بيتي الجميل أصبح متآكلا، نوافذه مغلقة وشرفته التي نمت فيها مع إخوتي لنشاهد المسحراتي وهو يطرق بطبلته ويصيح بصوته الجهوري: اصحى يا نايم.. وحد الدايم».

تتكئ هذه السردية، على استقراء حكايات أمّها المنهالة من ذاكرة خصبة، والمسكونة بالحسرة والألم لفقدان البيت وخرابه، كما أنّها مفعمة بحنين رومانسيّ وبلوحات شاعرية إلى الطفولة المتروكة، في مدينة يافا – المكان الذي سُلخت عنه

سرابية المنفى والتعلّق بالمكان

السردية مسكونة بوجع النفي والشتات، فهي تدين الذات بفعل الخروج من الوطن، رغم الاقتلاع والنفي القسريّ، وتمجّد الباقين في ديارهم «أيقنت منذ الصغر أن نكبتنا كانت في خروجنا من ديارنا، وكنت دائما وما أزال أحيي من أعماق فؤادي من بقي صامدا على أرض فلسطين، خاصة بعد أن تعرفت على بعضهم عن قرب، وجدت فيهم من افتقدته خلال سنوات الشتات، لم يتخلوا عن فلسطينيتهم، وعاداتهم التي بقيت حية بتراثها الغني والأصيل». مع أنّ الكاتبة تشير إلى سلخ وقلع وتهجير الفلسطينيين من بيوتهم بالسلاح والترهيب والذبح، فمجزرة دير ياسين «المذبحة في 9 إبريل/نيسان 1948 أسهمت في تفريغ البلاد من أكثر من 650 ألف عربي».
لقد كتب إدوارد سعيد في «تأملات حول المنفى» عن حياة المنفى: «غير أنّ من المنطقي القول إنَّ عالم المنفي الجديد هو عالم غير طبيعيّ يشبه اللاواقعية التي يتّسم بها عالم القصّ والتخييل» ووفق منظوره «النفي يجرّ إلى خراب».. إنَّ نفس الكاتبة مصدّعة ومشروخة، رغم اغترابها عقودا، ما زالت متعلّقة روحيًا ببيتها، مستودع أحلام طفولتها وذكرياتها.

إنَّ الجانر «رواية» المنقوش على صورة الغلاف، لا يُمَوضِع هذه السردية تحت جانر رواية بالمفهوم الفنيّ المعماريّ الروائيّ، إنّما ينسحب عليها توصيف «سيرة».

هذا التعلّق تنسحب عليه نظرية غاستون باشلار في جماليات المكان وسيكولوجيته، لأنّه ارتسم في مخيلتها بيت الطفولة الهانئة. وهي تتذكّره بتفاصيله، كما تتذكّر رموزًا يافية مثل مطعم «أبو العافية» و«الكلحة» و«حي النزهة»
و«موسم النبي روبين». إنَّ التعلّق بالمكان المسروق، موصوف بخلجات عاطفية، فالكاتبة تستذكر عشق أمّها ليافا. «ولم تنس أمي يافا وكانت تذكرها باستمرار، وكانت عاشقة للبحر مثلي، تغني له أغنية ليلى مراد الشهيرة: «أحب اتنين سوى المي والهوا… يا هناي بحبهم». وهي كذلك تحمل حنينا لمدينتها يافا، «رغم سلخي عن حبيبتي يافا، منذ النكبة الفلسطينية، فإنني ما زلت أحن إلى بحرها وسمائها وياسمينها وليمونها وبرتقالها الشهير. ورغم تراكم السنوات على ذاكرتي، وابتعادي الساحق عن مرتع طفولتي، ورغم تنقلي الدائم بعيدا عن محيطها وهوائها وفضائها، فإنني ما زلت أتذكر بأدق التفاصيل بيارة البرتقال المهجورة، التي كانت تقع أمام بيتنا الجديد في حي النزهة».
إنَّ الجانر «رواية» المنقوش على صورة الغلاف، لا يُمَوضِع هذه السردية تحت جانر رواية بالمفهوم الفنيّ المعماريّ الروائيّ، إنّما ينسحب عليها توصيف «سيرة». كما أنّها تحوي سردا يخرج من دائرة السيرة إلى النقد والحشو الاجتماعيّ، مثل آراء في نقد عادات وتقاليد ذكورية في الزواج، وإقصاء المرأة والبنت عن التعليم، والزج بهنّ في أعمال الخدمة وتصوير تعالي المجتمع المدني على المجتمع القرويّ قبل النكبة، وزيارات الأكاديمي الفلسطينيّ إبراهيم أبو لغد إلى مدينته يافا ودفنه فيها، وإدراج خواطر شعرية للكاتبة ومواضيع حميمية خاصّة بالكاتبة، رُغم ما تحمله هذه الموضوعات، من فكر تنويريّ ونقد لاذع للمجتمع وتمرّد، من حيث انعدام الوعي والتثقيف الجنسيّ، إلا أنّها تشكّل إقحاما لسردية هذه السيرة ذاتية وتخلخل بنيانها. كما تنعدم فيها التراتبية وتطغى عليها الوجدانية والرومانسية الحالمة، مثل زجّ رسالة شوق إلى يافا داخل قنينة ورميها في البحر لتصل يافا. رُغم هذه الهنات التكنيكية، تشكّل هذه السردية مِدماكا في بنيان أرشفة الذاكرة الفلسطينية بفرحها وفجائعيتها.. إنّها صوت وجع المنفى في استنطاق ومخاطبة المكان المسروق.. كما تحمل سمات أدب المنفى عامةً المسكون بسيمفونية التغريبة المترعة بالحنين والوجع.

#كاتب فلسطيني#

قراءة خاصة لرواية العنكليزية للناشطة نوال حلاوة

بقلم:غريب عسقلاني


 على مستوى المضمون تطرح هذه الرواية رحلة الفلسطيني وإسهاماته في دول المنافي العربية والأجنبية، في مارثون عودة الفلسطيني لوطنه بعد النكبة الأولى وبحث الفلسطيني عن رزقه وحماية أسرته بانتظار العودة للوطن السليب, وتتخذ من دولة” الكويت نموذجا”, حيث عاشت طفولتها وصباها وعملها معلمة في رياض الأطفال, وساهمت في النهضة التعليمية كما ساهمت في الصحافة الكويتية واسعة الانتشار معتمدة, حتى جاءت حرب الخليج واحتلال العراق للكويت ووقوف الثورة الفلسطينية, وفي ذات الوقت رفضها لاحتلال الجيش العراقي لدولة الكويت, على اعتبار أن الفلسطيني ها من مكونات نسيج المجتمع الكويتي, رغم موقف الدولة الكويتية تجاه الفلسطينيين المبني على تداعيات السياسة

أما على مستوى الشكل:

فتتخذ من السيرة الذاتية واستحضار الذاكرة والتهويم الذاتي والبوح الوجداني, أسسا لبناء الرواية, حيث تُسقط من خلال مراحل حياتها ملاحظاتها على الحياة في مجتمع الكويت قبل الطفرة النفطية, وتحوله من البداوة وإمارة العشيرة إلى دولة عصرية تأخذ بأساليب الحداثة دون التخلي عن نشأتها القبلية, ما جعلها نموذجا متقدما ومتطوراً بين دول شبة الجزيرة العربية, ولذا تكتسب الرواية أهمية خاصة لكونها تستعيد الرواية صياغة الذاكرة الكويتية باستعادة الكويت عمارة وبداوة، وقيماً، وتقاليداً، وتسامحاً عربياً أصيلا, لم يُوثق كويتياً, وكأن تلك المرحلة سقطت من الذاكرة الكويتية لتقوم بهذه المهمة فلسطينية كويتية الهوى والنشأة, تحفظ فلسطينيتها ذاكرة متجذرة عن حكايات الأم والأب والفلسطينيين الأوائل، الذين ساهموا في عمارة الكويت كمواطنين شركاء, ولم يجدوا الحظوة التي نالها أي عربي أو أجنبي عمل في الكويت يمكنه العودة إلى بلده وقت ما شاء؛ لارتباط وجوده على أرض الكويت بالمهمة التي جاء من أجلها, والتي غالبا ما تكون نفعية استثمارية, في الوقت الذي يستثمر الفلسطيني جهده وماله في الكويت كدولة أمان اقتصادي، وكرد الجميل لبلد آوته وعصمته من التبعثر والضياع, وإذا غادرها هو أو أولاده للعمل أو الدراسة والتأهيل لمستوى أرفع يعود إلى حاضنتها ليساهم في نهضتها؛ لأنه انتمى لها ولم يعش في بلد سواها, عانى مع أهلها شظف الحياة ورغدها..

عيون طفلة:

صور انطبعت واختلطت بالحكايات ورسخت بذاكرة الأب والأم, من يافا عروس البحر إلى نابلس الجبل إلى السلط، حيث جذور العائلة القديمة في بلاد الشام كوحدة عرقية واحدة, فالأم قد تزوجت ابنة 14 سنة, وأصبحت أما في السابعة عشر مع رحلة اللجوء الأولى من يافا إلى نابلس، فزاوجت في صباها بين رخاء البحر وسحر الجبل, ثم اتبعت قرار الأب بالبحث عن عمل في الكويت بعد النكبة.

تصف الرحلة من نابلس إلى السلط إلى العبدلي، حيث تتوزع الشاحنات للانطلاق إلى البلاد البعيدة بالوسائل المتاحة براً, رحلة استمرت يوما وليلة في صهد الحرارة في النهار, وبرد الصحراء في الليل في صحراء شاسعة, ثم استراحة مؤقتة في بلد الرشيد عاصمة الأحلام والشعب المضيف, والحدائق وأسماك النهر “المسقوف” وما لذ وطاب بعد مشاوير العناء..

ثم تشد العائلة الرحال إلى البصرة في رحلة متممة حتى باب الهوى مستراح العبور إلى الكويت ومحطة التجار والشطار والمهربين, وقضاء الإجازات والتسوق, ولهو الشباب غير المتاح في الكويت بأعرافها وتقاليدها.

وفي الطريق إلى الكويت يداهمهم “الطوز” بالغبار, ويخدع السائق الغشيم بين نور الله وعفار الهواء المحمل بالتراب الأحمر, وإسعاف ركاب حافلة أخرى تفادت ارتطام ببعير وانقلبت ودفن رمل الطوز ركابها, فهب  أبوها لإنقاذهم قبل أن يأخذهم الرمل إلى الآخرة, وبالصدفة المحضة أن يكون رجل من الذين كُتبت لهم الحياة ولم يلتق بمن أنقذه حتى التقى به بعد أكثر من عشرين عاما ليؤكد المثل الذي يردده أبوها:” اعمل الخير تجده ولو بعد حين”.   

السؤال الدائم والملتبس:

لعل السؤال الذي يلاحق الفلسطيني ويلح عليه أينما وجد بعيداً عن وطنه, هو الانتماء والوفاء والهوية! وفي السيرة الروائية التي بين أيدينا تطرح نوال حلاوة سيرتها بألم الأمر جارح من خلال سيرتها العائلية عبر ثلاثة أجيال: الآباء، والأبناء، والأحفاد, وتفرع العائلة النووية إلى عائلات نويَّات تبعثرت في أكثر من منفى, وفقدت إمكانية التجمع على أرض واحدة, لا لسبب غير أن وطن الأصل لم يعد متاحاً, فصار الفلسطيني غريباً حسب زعم الرواية الصهيونية, وضيفا في بلاد العرب وحتى في فلسطين.,

 وفي سيرة الراوية التي تدين بالولاء والوفاء لعمرها الذي عاشته كويتية النشأة وأصبحت فجأة تصبح نكرة غير مرغوب فيها, وما عليها إلا البحث في عالم مجهول! 

عودة للسيرة ومحطات الألم:

تصف الراوية الحياة داخل السور في المدينة القديمة, حيث عاشت متفاعلة مع العائلات الكويتية وتعايشت مع المجتمع الكويتي بتقاليده وأعرافه داخل أسوار المدينة, المنفتحة على الصحراء والبحر, درست في مدارسها تحت رعاية رعيل من المعلمات الفلسطينيات, ولقبت بالعنكليزية لبشرتها البيضاء وشعرها الذهبي ومشيتها الواثقة, تفوقت منذ نعومة أظفارها في الرياضة وإلقاء الشعر والإذاعة المدرسية, وحققت تميزا وفوزا لافتا, وبعد المرحلة الإعدادية توجهت إلى دار المعلمات وتخرجت معلمة في رياض الأطفال, وحققت نشاطا لافتا, وأصبحت في سن مبكر رائدة في مجالها, ولم تنقطع عن هواياتها التي طبقتها في أساليب التعليم فكانت مثال المعلمة الكويتية, إلى جانب ما تكتبه كمراسلة غير منتظمة في جريدة القبس الشهيرة, ثم أكملت تعليمها الثانوي بالانتساب وحققت أمنيتها بنيل الشهادة الجامعية, وتزوجت من فلسطيني من حملة وثيقة سفر فلسطينية, فيما هي تحمل الجنسية الأردنية, وسافرت معه وهي حامل في طفلها الثالث إلى تشيكوسلوفاكيا لإكمال شهادة الماجستير في الطب, وتعرف زوجها على طالب طب أردني، عائلته تقيم في الكويت, يعمل  الطبيب المتدرب على رعايتها أثناء ولادتها لطفلها الثالث في المستشفى, والذي أخذ من الدولة شهادة ميلاد وشهادة الملك, كما أخذت هي شهادة ملكة, لكونها أنجبت ثلاثة أطفال في مجتمع يكتفي بطفل أو طفلين للعائلة الواحدة..ثم سافرت مع عائلتها الصغيرة إلى كندا وحصلت على الجنسية الكندية, وأكملت دراسة الماجستير في الإعلام الموجه, وتصادمت مع الأستاذ المشرف الذي يناصر إسرائيل باعتماده على مراجع الحركة الصهيونية, وغيرت موقفة من أرض الميعاد التي تنتظر عودة اليهود, وأكد له وبالمراجع والوثائق أن جدود الفلسطينيين الكنعانيين أسبق من هبوط الديانة اليهودية بألفين سنة, بإحالته إلى مراجع التاريخ مع تعاطفها مع الضحايا اليهود في الهولوكوست, ما جعل المشرف يعيد النظر في الروايات والمراجع التي يستند عليها ويمنحها الماجستير بتفوق..

في كندا تتفرغ للعمل لخدمة القضايا العربية, من خلال جمع التراث الفلسطيني والكويتي والخليجي, وتدعو الناشطات الفلسطينيات والعربيات لإحياء التراث العربي في جميع البلدان وخاصة التراثين الخليجي والكويتي, وإعادة إحياء المأكولات الشعبية والأغاني والموسيقى والتطريز والملابس الشعبية لكل بلد مع التركيز على الجانب الفلسطيني انتماءً والكويتي عرفانا لبلد كون ذاكرتها المكملة لذاكرة الأب والأم, وبلور شخصيتها وملكاتها الخاصة, فأعادت للذاكرة رائدات المعلمات الأوائل, وشخصت مواريث الكويت القديمة التي أزيلت ولم يبق منها, وكأني بها تُذكر الكويت السياسي بولائها للوطن الذي استضافها وشكل وعيها وذاكرتها ما قبل الطفرة النفطية وتحديث الدولة..

وحتى تكتمل لديها الصورة تزور القدس كمواطنة كندية, وتتعرف على حياة الفلسطينيين تحت سيطرة دولة إسرائيل ونضالهم من أجل تثبيت الهوية العربية الفلسطينية, تحت سلطة الدولة الصهيونية التي تحاول فرض التاريخ العبري الصهيوني على الفلسطينيين الذين يخوضون معركة شرسة من أجل البقاء..

مفارقات السياسة وطعن الوجدان القومي:

يعيش الفلسطيني على انتظار العودة إلى وطنه, مهما طال الانتظار, ولأن العالم العربي امتداده التاريخي والوطني, يرنو إلى صحوة عربية تشكل له بعداً قوميا تكفيراً عن هزيمة جيوش العرب في جولة نكبة فلسطين, وتشظي الفلسطيني في الدول العربية والمنافي الأجنبية, لكن السياسة العربية تكشف عوراتها إزاء الحالة الفلسطينية, ولعل نموذج عذابات نوال حلاوة ” ميس الريم” الفلسطينية التي تحمل الجنسية الأردنية, عندما تقابل وكيل وزارة الداخلية في الأردن وتطلب الجنسية لزوجها الفلسطيني حامل الوثيقة الفلسطينية, فيكون رد الوكيل: إن هذا لا يكون إلا بإرادة ملكية, وتكتشف أن الأمر يقتصر على الفلسطيني فقط, فيرد عليها خجولا من شرعية طلبها, فيلاطفها بنكتة خجولة:” مين قلك تتزوجي من فلسطيني يحمل وثيقة سفر فلسطينية”, ذات الأمر الذي كلف أخاها صاحب العيون الزرق تأجيل دراسته فصلا كاملا للحضور إلى الكويت لتجديد إقامته وإضافة زوجته يلاقي نفس الرد, لا إقامة لحاملي الوثيقة, “وكأن جامعة الدول العربية الذي قررت منح وثيقة السفر الفلسطينية في الدول العربية باتت الزوج الغائب “, فيعود إلى كندا بخفي حنين وعندما يعود وزوجته بجواز كندي تفتح له صالات المطار ترحيباً..

أما جذر العائلة الأب, فبقى في الكويت وبتدخل ممن عرفوه من  أهل الكويت وأصبح مختار الجالية الفلسطينية في الكويت, ورجل إصلاح وإمام جامع, ينتظر العودة إلى يافا, وفي احد الأيام زاره رجل لم يعرفه, أخذ الرجل يقبل رأسه ويديه, وأخبره أنه الرجل الذي أسعفه يوم غمره رمل الطوز قبل أكثر من عشرين سنة, ويخبره أيضا أنه أبو الطبيب المتدرب الذي أشرف على ميلاد حفيده في تشيكوسلوفاكيا, وكأني به يكرر وصية طالما رددها الفلسطيني “افعل الخير تجده يوما ما”  

وبعد:

فإن هذا العمل البانورامي والذي اتكأ على سيرة حقيقية, يتميز بواقعية وثائقية شديدة الصدق, تعتمد على ذاكرة خصبة, تقف طويلا أما أدق التفاصيل, التي مرت بالكاتبة في حياتها, تنشرها بصدق وأمانة, لدرجة العتاب أحيانا والغضب أحيانا, والضحكة السوداء عند النقد الجارح في بعض الأحيان إذا ما تعلق الأمر بالفلسطيني, وذلك على شهوات تنكر السياسي للآمال الإنسانية في الحالة الفلسطينية, ما يشي بتغليب الإقليمي على قضية العرب الكبرى, التي شكلت الوعي الأول للعروبة على امتداد أكثر من قرن مضى, كما تظهر المفارقة عندما تنشط النساء العربيات بإعادة تراث الأمة العربية من منطلق وحدة العالم العربي من خلال التراث، الذي أعاد تراث الكويت القديم اذي اندثر بعد ثورة النفط , وكأن التخلص من القديم أمر تحديثي, ومن هنا تبرز أهمية الإعلام الموجه في نصرة القضايا العربية, ودور الناشطات العربيات المتسلحات بالمعرفة أينما وجدن كرافعة إيجابية لنصرة القضايا العربية.

على مستوى المضمون تطرح هذه الرواية رحلة الفلسطيني وإسهاماته في دول المنافي العربية والأجنبية، في مارثون عودة الفلسطيني لوطنه بعد النكبة الأولى وبحث الفلسطيني عن رزقه وحماية أسرته بانتظار العودة للوطن السليب, وتتخذ من دولة” الكويت نموذجا”, حيث عاشت طفولتها وصباها وعملها معلمة في رياض الأطفال, وساهمت في النهضة التعليمية كما ساهمت في الصحافة الكويتية واسعة الانتشار معتمدة, حتى جاءت حرب الخليج واحتلال العراق للكويت ووقوف الثورة الفلسطينية, وفي ذات الوقت رفضها لاحتلال الجيش العراقي لدولة الكويت, على اعتبار أن الفلسطيني ها من مكونات نسيج المجتمع الكويتي, رغم موقف الدولة الكويتية تجاه الفلسطينيين المبني على تداعيات السياسة

أما على مستوى الشكل:

فتتخذ من السيرة الذاتية واستحضار الذاكرة والتهويم الذاتي والبوح الوجداني, أسسا لبناء الرواية, حيث تُسقط من خلال مراحل حياتها ملاحظاتها على الحياة في مجتمع الكويت قبل الطفرة النفطية, وتحوله من البداوة وإمارة العشيرة إلى دولة عصرية تأخذ بأساليب الحداثة دون التخلي عن نشأتها القبلية, ما جعلها نموذجا متقدما ومتطوراً بين دول شبة الجزيرة العربية, ولذا تكتسب الرواية أهمية خاصة لكونها تستعيد الرواية صياغة الذاكرة الكويتية باستعادة الكويت عمارة وبداوة، وقيماً، وتقاليداً، وتسامحاً عربياً أصيلا, لم يُوثق كويتياً, وكأن تلك المرحلة سقطت من الذاكرة الكويتية لتقوم بهذه المهمة فلسطينية كويتية الهوى والنشأة, تحفظ فلسطينيتها ذاكرة متجذرة عن حكايات الأم والأب والفلسطينيين الأوائل، الذين ساهموا في عمارة الكويت كمواطنين شركاء, ولم يجدوا الحظوة التي نالها أي عربي أو أجنبي عمل في الكويت يمكنه العودة إلى بلده وقت ما شاء؛ لارتباط وجوده على أرض الكويت بالمهمة التي جاء من أجلها, والتي غالبا ما تكون نفعية استثمارية, في الوقت الذي يستثمر الفلسطيني جهده وماله في الكويت كدولة أمان اقتصادي، وكرد الجميل لبلد آوته وعصمته من التبعثر والضياع, وإذا غادرها هو أو أولاده للعمل أو الدراسة والتأهيل لمستوى أرفع يعود إلى حاضنتها ليساهم في نهضتها؛ لأنه انتمى لها ولم يعش في بلد سواها, عانى مع أهلها شظف الحياة ورغدها..

عيون طفلة:

صور انطبعت واختلطت بالحكايات ورسخت بذاكرة الأب والأم, من يافا عروس البحر إلى نابلس الجبل إلى السلط، حيث جذور العائلة القديمة في بلاد الشام كوحدة عرقية واحدة, فالأم قد تزوجت ابنة 14 سنة, وأصبحت أما في السابعة عشر مع رحلة اللجوء الأولى من يافا إلى نابلس، فزاوجت في صباها بين رخاء البحر وسحر الجبل, ثم اتبعت قرار الأب بالبحث عن عمل في الكويت بعد النكبة.

تصف الرحلة من نابلس إلى السلط إلى العبدلي، حيث تتوزع الشاحنات للانطلاق إلى البلاد البعيدة بالوسائل المتاحة براً, رحلة استمرت يوما وليلة في صهد الحرارة في النهار, وبرد الصحراء في الليل في صحراء شاسعة, ثم استراحة مؤقتة في بلد الرشيد عاصمة الأحلام والشعب المضيف, والحدائق وأسماك النهر “المسقوف” وما لذ وطاب بعد مشاوير العناء..

ثم تشد العائلة الرحال إلى البصرة في رحلة متممة حتى باب الهوى مستراح العبور إلى الكويت ومحطة التجار والشطار والمهربين, وقضاء الإجازات والتسوق, ولهو الشباب غير المتاح في الكويت بأعرافها وتقاليدها.

وفي الطريق إلى الكويت يداهمهم “الطوز” بالغبار, ويخدع السائق الغشيم بين نور الله وعفار الهواء المحمل بالتراب الأحمر, وإسعاف ركاب حافلة أخرى تفادت ارتطام ببعير وانقلبت ودفن رمل الطوز ركابها, فهب  أبوها لإنقاذهم قبل أن يأخذهم الرمل إلى الآخرة, وبالصدفة المحضة أن يكون رجل من الذين كُتبت لهم الحياة ولم يلتق بمن أنقذه حتى التقى به بعد أكثر من عشرين عاما ليؤكد المثل الذي يردده أبوها:” اعمل الخير تجده ولو بعد حين”.   

السؤال الدائم والملتبس:

لعل السؤال الذي يلاحق الفلسطيني ويلح عليه أينما وجد بعيداً عن وطنه, هو الانتماء والوفاء والهوية! وفي السيرة الروائية التي بين أيدينا تطرح نوال حلاوة سيرتها بألم الأمر جارح من خلال سيرتها العائلية عبر ثلاثة أجيال: الآباء، والأبناء، والأحفاد, وتفرع العائلة النووية إلى عائلات نويَّات تبعثرت في أكثر من منفى, وفقدت إمكانية التجمع على أرض واحدة, لا لسبب غير أن وطن الأصل لم يعد متاحاً, فصار الفلسطيني غريباً حسب زعم الرواية الصهيونية, وضيفا في بلاد العرب وحتى في فلسطين.,

 وفي سيرة الراوية التي تدين بالولاء والوفاء لعمرها الذي عاشته كويتية النشأة وأصبحت فجأة تصبح نكرة غير مرغوب فيها, وما عليها إلا البحث في عالم مجهول! 

عودة للسيرة ومحطات الألم:

تصف الراوية الحياة داخل السور في المدينة القديمة, حيث عاشت متفاعلة مع العائلات الكويتية وتعايشت مع المجتمع الكويتي بتقاليده وأعرافه داخل أسوار المدينة, المنفتحة على الصحراء والبحر, درست في مدارسها تحت رعاية رعيل من المعلمات الفلسطينيات, ولقبت بالعنكليزية لبشرتها البيضاء وشعرها الذهبي ومشيتها الواثقة, تفوقت منذ نعومة أظفارها في الرياضة وإلقاء الشعر والإذاعة المدرسية, وحققت تميزا وفوزا لافتا, وبعد المرحلة الإعدادية توجهت إلى دار المعلمات وتخرجت معلمة في رياض الأطفال, وحققت نشاطا لافتا, وأصبحت في سن مبكر رائدة في مجالها, ولم تنقطع عن هواياتها التي طبقتها في أساليب التعليم فكانت مثال المعلمة الكويتية, إلى جانب ما تكتبه كمراسلة غير منتظمة في جريدة القبس الشهيرة, ثم أكملت تعليمها الثانوي بالانتساب وحققت أمنيتها بنيل الشهادة الجامعية, وتزوجت من فلسطيني من حملة وثيقة سفر فلسطينية, فيما هي تحمل الجنسية الأردنية, وسافرت معه وهي حامل في طفلها الثالث إلى تشيكوسلوفاكيا لإكمال شهادة الماجستير في الطب, وتعرف زوجها على طالب طب أردني، عائلته تقيم في الكويت, يعمل  الطبيب المتدرب على رعايتها أثناء ولادتها لطفلها الثالث في المستشفى, والذي أخذ من الدولة شهادة ميلاد وشهادة الملك, كما أخذت هي شهادة ملكة, لكونها أنجبت ثلاثة أطفال في مجتمع يكتفي بطفل أو طفلين للعائلة الواحدة..ثم سافرت مع عائلتها الصغيرة إلى كندا وحصلت على الجنسية الكندية, وأكملت دراسة الماجستير في الإعلام الموجه, وتصادمت مع الأستاذ المشرف الذي يناصر إسرائيل باعتماده على مراجع الحركة الصهيونية, وغيرت موقفة من أرض الميعاد التي تنتظر عودة اليهود, وأكد له وبالمراجع والوثائق أن جدود الفلسطينيين الكنعانيين أسبق من هبوط الديانة اليهودية بألفين سنة, بإحالته إلى مراجع التاريخ مع تعاطفها مع الضحايا اليهود في الهولوكوست, ما جعل المشرف يعيد النظر في الروايات والمراجع التي يستند عليها ويمنحها الماجستير بتفوق..

في كندا تتفرغ للعمل لخدمة القضايا العربية, من خلال جمع التراث الفلسطيني والكويتي والخليجي, وتدعو الناشطات الفلسطينيات والعربيات لإحياء التراث العربي في جميع البلدان وخاصة التراثين الخليجي والكويتي, وإعادة إحياء المأكولات الشعبية والأغاني والموسيقى والتطريز والملابس الشعبية لكل بلد مع التركيز على الجانب الفلسطيني انتماءً والكويتي عرفانا لبلد كون ذاكرتها المكملة لذاكرة الأب والأم, وبلور شخصيتها وملكاتها الخاصة, فأعادت للذاكرة رائدات المعلمات الأوائل, وشخصت مواريث الكويت القديمة التي أزيلت ولم يبق منها, وكأني بها تُذكر الكويت السياسي بولائها للوطن الذي استضافها وشكل وعيها وذاكرتها ما قبل الطفرة النفطية وتحديث الدولة..

وحتى تكتمل لديها الصورة تزور القدس كمواطنة كندية, وتتعرف على حياة الفلسطينيين تحت سيطرة دولة إسرائيل ونضالهم من أجل تثبيت الهوية العربية الفلسطينية, تحت سلطة الدولة الصهيونية التي تحاول فرض التاريخ العبري الصهيوني على الفلسطينيين الذين يخوضون معركة شرسة من أجل البقاء..

مفارقات السياسة وطعن الوجدان القومي:


يعيش الفلسطيني على انتظار العودة إلى وطنه, مهما طال الانتظار, ولأن العالم العربي امتداده التاريخي والوطني, يرنو إلى صحوة عربية تشكل له بعداً قوميا تكفيراً عن هزيمة جيوش العرب في جولة نكبة فلسطين, وتشظي الفلسطيني في الدول العربية والمنافي الأجنبية, لكن السياسة العربية تكشف عوراتها إزاء الحالة الفلسطينية, ولعل نموذج عذابات نوال حلاوة ” ميس الريم” الفلسطينية التي تحمل الجنسية الأردنية, عندما تقابل وكيل وزارة الداخلية في الأردن وتطلب الجنسية لزوجها الفلسطيني حامل الوثيقة الفلسطينية, فيكون رد الوكيل: إن هذا لا يكون إلا بإرادة ملكية, وتكتشف أن الأمر يقتصر على الفلسطيني فقط, فيرد عليها خجولا من شرعية طلبها, فيلاطفها بنكتة خجولة:” مين قلك تتزوجي من فلسطيني يحمل وثيقة سفر فلسطينية”, ذات الأمر الذي كلف أخاها صاحب العيون الزرق تأجيل دراسته فصلا كاملا للحضور إلى الكويت لتجديد إقامته وإضافة زوجته يلاقي نفس الرد, لا إقامة لحاملي الوثيقة, “وكأن جامعة الدول العربية الذي قررت منح وثيقة السفر الفلسطينية في الدول العربية باتت الزوج الغائب “, فيعود إلى كندا بخفي حنين وعندما يعود وزوجته بجواز كندي تفتح له صالات المطار ترحيباً..

أما جذر العائلة الأب, فبقى في الكويت وبتدخل ممن عرفوه من  أهل الكويت وأصبح مختار الجالية الفلسطينية في الكويت, ورجل إصلاح وإمام جامع, ينتظر العودة إلى يافا, وفي احد الأيام زاره رجل لم يعرفه, أخذ الرجل يقبل رأسه ويديه, وأخبره أنه الرجل الذي أسعفه يوم غمره رمل الطوز قبل أكثر من عشرين سنة, ويخبره أيضا أنه أبو الطبيب المتدرب الذي أشرف على ميلاد حفيده في تشيكوسلوفاكيا, وكأني به يكرر وصية طالما رددها الفلسطيني “افعل الخير تجده يوما ما”  

وبعد:

فإن هذا العمل البانورامي والذي اتكأ على سيرة حقيقية, يتميز بواقعية وثائقية شديدة الصدق, تعتمد على ذاكرة خصبة, تقف طويلا أما أدق التفاصيل, التي مرت بالكاتبة في حياتها, تنشرها بصدق وأمانة, لدرجة العتاب أحيانا والغضب أحيانا, والضحكة السوداء عند النقد الجارح في بعض الأحيان إذا ما تعلق الأمر بالفلسطيني, وذلك على شهوات تنكر السياسي للآمال الإنسانية في الحالة الفلسطينية, ما يشي بتغليب الإقليمي على قضية العرب الكبرى, التي شكلت الوعي الأول للعروبة على امتداد أكثر من قرن مضى, كما تظهر المفارقة عندما تنشط النساء العربيات بإعادة تراث الأمة العربية من منطلق وحدة العالم العربي من خلال التراث، الذي أعاد تراث الكويت القديم اذي اندثر بعد ثورة النفط , وكأن التخلص من القديم أمر تحديثي, ومن هنا تبرز أهمية الإعلام الموجه في نصرة القضايا العربية, ودور الناشطات العربيات المتسلحات بالمعرفة أينما وجدن كرافعة إيجابية لنصرة القضايا العربية..