استشراف المستقبل كلمات سمعت عنها ولم استطع فهم معناها، كلمات غريبة غير مفهومة تتردد في محافل إعلامية ومنصات رقيمة وتطلعات مستقبلية ،   فوجدت   ان محتواها اكثر صعوبة من المعنى نفسه.

استشراف المستقبل والتخطيط للمجتمع بكل مستوياته وعلومه ونواحيه هو حسب معلوماتي دعى اليه الاسلام ونهج منهجه، ولكن نحن كمسلمين قد نكون لا ندرك المعنى بحذافيره.

فباتت الكلمات مبهمة تستدعي مني كمهندسة معمارية عشت بين مجتمعين مختلفين غربي وعربي  البحث  والسؤال عن معنى  استشراف المستقبل فكان الجواب المبسط، انه هو التخطيط المجتمعي للمستقبل وهو يبدأ من مستوى الدولة وينتهي بالفرد.

استشراف  المستقبل لم اكن ادرك معنى الكلمات  لكن تعايشتها كنظام متكامل في مراحل مختلفة من  حياتي في الغرب، نظام تم بحثة وتخطيطه من قبل نظام الدولة ويتم تطبيقه بحذافيره ومستوياته في مؤسسات المجتمع ومن ثم الفرد.

استشراف المستقبل هو علم  مهم لنجاح اي مجتمع متقدم متحضر مبني على اسس صحيحة وسليمة وتطبق استراتيجيته حسب الخطة المرسومة له  بغض النظر عن المعوقات  التي قد تحدث بصورة مباشرة او غير مباشرة .

حسب تجربتي يبدأ في النظام المتقدم،   من الفرد وفي الأخص الأطفال، حيث يعتبر الاطفال هم المستقبل فتأسيس نظام تربوي مبني على تحمل المسؤولية هو احد اهم الاسباب التي تساعد على تحقيق اي نظام وخطة مستقبلية لأي مجتمع. ولكن يجب علينا ان لا نتجاهل دور الام التي تعتبر اهم مدرسة تغذي وتعد الاجيال الجديدة (الام مدرسة اذا اعددتها اعددت شعب طيب الاعراق) هي ليست كلمات شاعر قيلت ولكن حقيقة فعلية لارتقاء المجتمعات اذا تم اعداد امهات يحملن علم صحيح مبني على اسس علمية متواكبة مع ما يحدث من تطور تكنلوجي سريع سوف تتحقق خطة الاستشراف المستقبلي بطريقة سليمة.

وحسب رأيي الشخصي ان هذا ينطبق في كل المجالات  و في كل نواحي الحياة الاقتصادية والعلمية والاجتماعية.

فالشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع او اي وظيفة يقوم فيها الشخص سواء يعيش في وطنه او خارج الوطن هو تربية يتربى  عليها الطفل داخل الاسرة ويدعمها الابوين الذين يحصلون بدورهم الدعم من حكوماتهم لتطوير اي مجتمع يبنى بصورة حقيقية.

وبالتالي يتطور المجتمع وعملية الاستشراف تبنى بطريقة سليمة.

فالحكومات مشكورة  قامت وتقوم بدورها في عملية الدراسات ووضع الخطط والانظمة وانشاء كل الخدمات التي تقوي مؤسسات المجتمع لتساعده على نهضة الارتقاء والعيش في نظام عام، حيث تم تبني فكرة استشراف المستقبل نهاية 2016 من قبل دولة الامارات المتحدة  والتي كانت تدور اهم  محاورها حول  اولا:- رصد الفرص والتحديات المستقبلية ووضع المبادرات الاستباقية

ثانيا:-جعل علم استشراف المستقبل مظلة يعمل تحتها التخطيط الاستراتيجي ثالثا:-العمل على توحيد وحشد الطاقة في سبيل ايجاد اطار عمل موحد، رابعا:-السعي نحو تغيير طريقة تفكير المعنيين من التفكير التقليدي الى غير التقليدي   وغيرها من الاهداف الاخرى.

ولكن يبقى  للفرد كما ذكرت اهمية ومسؤولية يتحملها ليساعد الدولة على نجاح المهام التي تحمل على عاتقها .

استشراف المستقبل يدخل في كل المجالات والنواحي ومن هنا  اود  الحديث عن  مجال مهم ومميز و هو مجال  الهندسة المعمارية الذي

يعتبر هو  علم ناتج عن حاجة المجتمع اي هو انعكاس مباشر لأي مجتمع سواء متقدم ام نامي.

فالعمارة هي حاجة الفرد للسكن  في المنازل والعمل في الدوائر  والدراسة في المدارس والعلاج في المستشفيات والتسوق من المحلات اضافة الى السير في الشوارع والجلوس في الحدائق والصلاة في المساجد.          .

كل هذه الابنية التي يصممها المهندس المعماري هي تقوم  اساسا على تلبية  حاجات المجتمع و تعكس  تطوره ورقيه . حيث ان  طريقة واسلوب التصميم المعماري  وتلبيته لاحتياجات  المجتمع  تتطور مع الزمان وتختلف بأسلوبها حسب المكان لارتباطها بالعادات والتقاليد والمناخ وغيرها من الاسباب .

لذلك تعتبر الهندسة المعمارية احد العلوم المهمة التي يجب ان توظف بطريقة صحيحة لتسد الحاجات الاجتماعية بصورة  سليمة منظمة والا تنعكس سلبا على حياة وسلوك المجمع، لذلك نجد ان بعض الدول المتقدمة مثل اوروبا تتبع قوانين مشددة في تطبيق علوم الهندسة المعمارية بما يتناسب مع الدراسات العلمية التي تخدم  فعليا الفرد من حيث الاحتياجات الوظيفية او النفسية او حتى البيئية. متواكبة مع التقنيات الحديثة والفضاءات المدروسة هذا  اضافة الى الاهتمام في الوقت الحاضر بالعمارة المستدامة والشجيع على  توفير بيئة معمارية  صحية سليمة وحديثة.

واذا عدنا  بالذاكرة قليلا الى تخطيط المدن العربية الاسلامية و العمارة العربية  القديمة  نجد انها عالجت كل المشكلات  البيئية والمناخية والاجتماعية بما تتناسب مع عادات وتقاليد الدول من حيث توفير واستخدام المواد العازلة للحرارة في البناء والانشاء وتوفير الحلول المناخية التي تساعد على ترطيب الاجواء الحارة والتقليل منها بدراسة الظل والضوء وحركة الهواء اضافة الى الفناءات الداخلية الجميلة التي توجد فيها   حلول ليست مناخية  فقط بل نفسية واجتماعية ومن اجمل الامثلة التي تلاشت تقريبا لتخطيط المدينة القديمة   هي ازقة بغداد القديمة في العراق،و مدينة دمشق وحاراتها الجميلة في الشام، مدينة القاهرة اضافة الى امثلة  من الخليج العربي مثل دولة الامارات  واليمن  ومكة المكرمة، ولكن  بسبب عدم توفر مفهوم اسشراف المستقبل في السابق اخذت العمارة في الدول العربية جانب مختلف تماما مبني على اشكال ومواد مستنسخة من الغرب وقائمة على اساس الشكل والرمز المعماري فقط والانشائي الربحي  ، مهتمة في التفاصيل القديمة الاخرى مما ادى الى تلاشي مفهوم معنى التصميم المعماري والتخطيط الحضري المناسب لتلك الدول.

حيث كانت الهندسة المعمارية عبر التاريخ منذ ان ابتدأت، قائمة على أسس  انشائية ووظيفية صحيحة تتطور بدورها عبر الزمان، ف كان  على  المعماري البحث والتفكير العميق  وتقوية قدراته الذهنية التي تساعده على الابداع والبناء  ،على الرغم من عدم تطور التقنيات التكنلوجية  آن ذاك . اما في الوقت الحاضر كما الاحظ ان   المفهوم الحقيقي للهندسة المعمارية قد بدأ يتلاشى في بعض دولنا  العربية،   فلم يعد كعلم ومفهوم  واضح لأصحاب الاختصاص حيث اصبح معتمد على نظام الصورة والاستنساخ والاعتماد على التقنيات  الحديثة والذي  بدورة يرسخ  مفاهيم خاطئة في اذهان   افراد المجتمع، الذين لا يدركون معنى واهمية الهندسة المعمارية ومدى تأثيرها سلبا على حياتهم اذا لم تدرس وتنفذ بصورة صحيحة ،

فالشعور بالمسؤولية تجاه هذا العلم من قبل اصحاب التخصص ، وتنمية الافكار الصحيحة للجيل القادم اصبح في غاية الاهمية . مع مواكبة التطور التقني والتكنلوجي وعدم الاعتماد عليه كليا لان الله تعالى خلق لنا نعمة التفكير والابداع في تنوع وجودة الفكر المعماري الذي بدورة يعود بفوائد نفسية ومعنوية على المجتمع وارتقاء الدول في  بناء اسم  ومكانة عالمية  مميزة  .

هنا  اود ان اتطرق الى تنوع الهندسة المعمارية في دولة الامارات المتحدة حسب رأيي الشخصي هو تنوع قائم على اسس مختلفة منها اولا الاستشراف المستقبلي الموضوع من قبل الحكومة الرئيسة ومن ثم تدرجة على باقي حكومات الامارات مما  اعطى دولة  الامارات طابع معماري متنوع بغض النظر عن السلبيات والايجابيات التي قد تحصل خلال مراحل تطور واعمار هذه المدن. فالعمارة في الامارات هي نتاج التنوع المجتمعي العالمي الموجود فيها حيث كما ذكرت سابقا الهندسة المعمارية هي انعكاس لتقدم المجتمع وحاجاته. حيث تظم السبع امارات عدد لا يستهان به من الجنسيات المتنوعة الاسيوي والعربي والاجنبي اضافة الى التنوع الكبير في  المهندسين المعماريين الذين يحملون ثقافات وخلفيات متنوعة هذا  اضافة الى   العادات والتقاليد  العربية و الخليجية المتأصلة في المجتمع الاماراتي،  فلكل  هذه الجوانب انعكاسات تفصيلية على الهندسة المعمارية  حيث ان كل  امارة  تتوحد وتنظم وتسير نحو خطط الاستشراف المستقبلي التي تتبعها الحكومات في الانظمة المؤسسية    والتي  ساهمت بدور كبير على تنظيم ورسم  الصورة المعمارية المرسومة   لكل امارة  بغض النظر عن بعض السلبيات التي قد تكون نتاج التنوع المجتمعي وتأثيره المباشر على العمارة.

فمثلا صورة  الهندسة المعمارية في دبي قائمة على استخدام الرموز المعمارية كعامل دعائي واقتصادي للأمارة مبني على تقنيات تكنلوجيا عالية جدا ومميزه كرمز للأمارة المعاصرة. اما امارة ابو ظبي فهي  تحافظ على  صورة  الطابع الرسمي الاداري المتطور   المعاصر فللرموز المعمارية  نقاط و اماكن  معينة تبرز من خلالها رسمية الامارة، ومنه انتقل الى امارة الشارقة التي تميزت بالطابع  الثقافي الاسلامي حيث اعتمدت في الماضي على ترسيخ النظم الاسلامية الكلاسيكية في العمارة ومن ثم انتقلت بتطور العصر فأخذت جانب العمارة المستدامة حيث نجد للأمارة الشارقة طابع موحد يعكس الفكر المعماري الواضح لهذه الامارة على الرغم من تعدد وتنوع الخلفيات المعمارية. اما بالنسبة الى بقية الامارات الاخرى مثل راس الخيمة والفجيرة وام القوين  اخذت العمارة فيها  طابع جميل راقي هادئ يعكس صورة اخرى من الامارات وهو  الجانب الطبيعي البسيط الهادئ  بتراثه وتاريخه والطبيعة الصحراوية الجبلية الصخرية المتنوعة حيث   عملية توسع الهندسة المعمارية فيها يتم ببطئ  وذلك ليتم الحفاظ على  الطابع الطبيعي لهذه الامارات

وهنا  قد نتسأل عن الاتجاهات  التي  قد تأخذها  الامارات في تخطيط وتطوير المدن المتبقية وصولا الى 2050 كونها   مازالت خصبة لاستقبال تخطيط جديد يكمل صورة تنوع  مدن الامارات السبعة وقد يكون الاستشراف المستقبلي يتوجه نحو اساسيات تخطيط المدينة العربية القديمة القائمة على حلول معمارية ومناخية واجتماعية تتناسب مع مجتمعنا العربي وبتقنية حديثة .ولأتمام  ذلك يجب تهيئة  وتأسيس معماريون  المستقبل  على معرفة ودراسة حقيقة واسس العمارة   الاسلامية القديمة والاستفادة من تقنياتها وحلولها مع دراسة  التقنية الحديثة وبراعة الابتكار لإنشاء عمارة مميزة .

واختتم قولي، ان  استشراف المستقبل لأي دولة متحضرة متقدمة  يعتبر من اساسيات التركيب المؤسسي لهذه الدولة  ولا يعتمد فقط على الحكومات والمؤسسات ولكن يقوم وينجح بمسؤولية الافراد ومنه يتحقق الرقي الاجتماعي والمعماري والتكنلوجي الصحيح  حسب وجهه نظري متمنية لدولة الامارات وباقي الدول العربية  المزيد من التقدم والرقي.

المهندسة  المعمارية لينا الموسوي